** طالعتنا وتطالعنا الصحف منذ كارثة جدة بإنباء عن ملاحقة أهل « الفساد». أن لا أعني المتسببين في كارثة جدة تحديداً.. فأولئك سيكشفهم الله للملأ ثم تكشفهم ملاحقات المخلصين ممن أوكل أليهم الأمر في نطاق لجنة تقصي الحقائق بعد أن كشفهم قبح أعمالهم في خطب العروس الجلل !! ولا أظن بأن إنساناً شاهد صور المآسي التي تقد القلوب أمام عينيه في وسائل الإعلام أو يراها على طبيعتها إلا ويدعو بأن ينتقم الجبار من كل من تسبب فيها!! ** وابشروا بالخير .. فإن أي أمر يتحول إلى هاجس في خاطر عبدالله بن عبدالعزيز سيصبح حقيقة على الأرض .. (سنحاسب المتسبب أي كان ؟) .. قالها يحفظه الله وأكدها ويتابعها بشكل كبير وقالها حتى في الكويت في مقابلته مع صحيفة « الأنباء « الكويتية وهو ما يعكس عمق هذا الهاجس في وجدان المليك ! . ** وابشروا بالخير .. فإن أي أمر يسند إلى خالد الفيصل لا يتركه منبتاً أبداً ولا يقيد ضد مجهول أبداً أبداً. هو رجل يؤمن بأن لكل شيء سبباً ولكل سبب أياديَ تحيك حبائله . ولذلك لابد أن تتوصل اللجنة إلى كل الأسباب والمسببات مهما تعقدت الإجراءات ومهما حاول الغموض أن يلف بعض الملفات والدليل هو بداية الحساب وسقوط الرؤوس !! **ولست مع أولئك المتشائمين الذين يرون بأن الحساب لا يخلو من الاستثناءات وأن الكبار هم شرفاء دائماً وأن عتوا وأن الصغار هم الضحايا غالباً وأن برئوا ! . ** و « الفساد « يا سادة ليس ( حصرياً ) على كارثة جدة ..! هذه الكارثة هي النتيجة التي قصمت ظهر البعير , لكن الفساد بعمومه وفي كافة المناطق و المرافق لا زال يدب من بين أيدي وأرجل البعير ويطل بأذنيه من كل جانب حتى وأن لم تحدث فازعة كفازعة أربعاء جده !! . ** وأحسب أن التوجيهات بإنشاء هيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد.. قبل عدة سنوات هي نتيجة إدراك لحقيقة هذا الخطر الذي بدأ يدب من تحت التراب وبدأت أقدامنا تحس تحركه وتتأذى من لفح لهيبه !. واستبشرنا خيراً فقيام مثل هذه المؤسسة يعني وجود مرجعية رسمية تقف في وجه الطوفان وأننا سنواجه هذا الوحش بحلول علمية مدروسة وعبر قنوات تنظيمية واضحة !! ** ولا حظوا معي فأن وجود (مرجعية) واضحة للهم الإنساني هي بداية الطريق نحو التصحيح وهذا بدليل أن ( ديوان المظالم ) حين عرف كمرجعية رسمية لرفع الظلم عن أي مواطن أصبح مثقلاً بالشكاوى والمشتكين . ومثل ذلك (جمعية حقوق الإنسان ) !!. فالناس حين تكاد تختنق ترفع أعناقها و تشخص أبصارها بحثاً عن مخرج لها من عنق الزجاجة !. توقعنا أن تكون هيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد بوابة جديدة يجد المواطن على أعتابها مرجعية تناضل من أجل النزاهة وتكافح لمحاربة الفساد!! لكن الذي حصل أن الهيئة توقفت انطلاقتها عند إعلان ميلادها!! ومع الأسف حدث هذا في الوقت الذي بدأ الفساد يتضخم كجسد فيل أفريقي !! ** بعد كارثة جدة كلنا أصبحنا نتحدث عن الفساد وكما نشرت هذه الجريدة فإن المباحث الإدارية قد حددت رقماً مجانياً للبلاغات عن أي حالة فساد ثم خصصت مبالغ للمبلغين عن الفساد وأن هذه المبالغ تتضاعف بحسب حجم القضية !!. وتناقلت بعض المواقع الإليكترونية معلومات عن أعداد متباينة تم القبض عليها وعن تسريح لأعداد أخرى وأعداد ثالثة يتم رصدها!! وأشياء كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام بعضها تسريبات وبعضها تصريحات. والسؤال المطروح : هل بمثل هذه الخطوات نحارب الفساد؟ والأجابة على السؤال تجعلنا نقف أكثر من وقفه. أولاً: أن (الفساد) كنزعة موجود عند الكثير من البشر فهناك نوازع الخير وهناك نوازع الشر, وبالتالي فإن (الرقابة) المستديمة تظل عملية مطلوبة , أما أن تثور عواصفنا في لحظة كارثة ثم يعود الكتان كما كان فهذا لن يكون فاعلاً كثيراً في القضاء على الفساد . لا نريد حراباً وقتياً ثم نسترخي بعد ذلك إلى أن توقظنا كارثة !! وثانياً : حان الوقت لقيام ( حماية النزاهة ومكافحة الفساد ) كمرجعية رقابية دائمة على أن تعطى هذه المرجعية كافة الصلاحيات و الإمكانيات حتى تكون فاعلة قادرة لاعبئاً على الوطن و المواطنين كغيرها من بعض التنظيمات الكسيحة !!. ثالثاً : ( الرقم المجاني) يعد وسيلة جيدة لايصال البلاغات وأصوات المواطنين ولكن يجب ألا تكون هي كل شيء فلا بد من تعزيز الدور الرقابي داخل كل جهة ولا بد من الوصول إلى كل إدارة , فعين الرقيب يجب أن تكون هي الأكثر يقظة و وصولاً وملاحقة وحين تغمض تلك العيون فإن أنياب الشر تسرح بين الممرات!!وتبقى القضية الأخيرة هي دور المواطن .. يجب أن تكون النزاهة شعارنا .. علينا أن نعزز هذا الشعار في دواخلنا وعلينا أن نلتزم به في تعاملاتنا مع الآخرين. فحين نمرر رشوة أو نقبل مفسدة فأننا نكون شركاء في جريمة قد تكون عاقبتها يوماً كارثة بحجم الوطن كما حدث في جده! وقانا الله شر أنفسنا ووقى الله الوطن من فساد شياطيننا . خاتمة : من يتحسس بقعة الضوء عند موطئه ينام قرير العين .