تعد الاختناقات المرورية والازدحام الشديد من المشاكل الكبرى التي تواجهها معظم مدن العالم بصفة عامة وبعض مدن المملكة بصفة خاصة، وأصبحت تشكل هاجسًا وقلقًا متزايدًا يؤرق المجتمع وأحد تحديات هذا العصر. لقد أشارت العديد من الدراسات العالمية إلى أن الاختناقات المرورية تؤدي إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة فهي تتسبب في إهدار الوقت والوقود والتلوث البيئي وارتفاع نسبة الحوادث بالإضافة إلى الضغط النفسي وتدني مستوى الأداء وإنتاجية الفرد والمجتمع، إضافة إلى كونها مزعجة وتؤدي إلى خسائر فادحة بمليارات الدولارات سنويًا، فعلى سبيل المثال تبلغ فاتورة الاختناقات المرورية التي تتكبدها جمهورية مصر العربية قرابة 23 مليار جنية سنويًا، كما أن الدراسة التي قامت بها الهيئة العليا لمدينة "الرياض" ذات الكثافة المرورية العالية، أشارت إلى ارتفاع قيمة الخسائر إلى ما يقارب 7 مليارات ريال سنويًا جراء الاختناقات المرورية ومثلها تقريبًا بسبب حوادث الطرق التي تصاحبها. خلال الخمسة أعوام الماضية لمسنا التأثير السلبي للاختناقات المرورية على إنتاجية الفرد بمدينة جدة، فأصبحنا نقضي الساعات الطويلة في الطرق للتنقل من مكان لآخر، وخاصة في ساعات الذروة، ولكننا في الوقت ذاته لمسنا انفراجًا لتلك الأزمة بعد الشروع في تشييد العديد من الجسور والأنفاق التي ساهمت بشكل إيجابي في فك العديد من بؤر الاختناقات المرورية. لكنني أتساءل ما الذي سوف نؤول إليه بعد عشرين عامًا من الآن عند اتساع الرقعة السكانية وتجاوز عدد سكان المملكة الخمسين مليون نسمة؟ هل ستستوعب شبكة الطرق الحالية تلك الكثافة السكانية وما يصحبها من توسعات عمرانية مستقبلية والتي تقدر بنسبة (5%) سنويًا؟!. همسة: منذ قرابة الخمسة أعوام وخلال غذاء عمل، سنحت لي الفرصة للقاء المهندس المعماري الذي أوكل إليه تخطيط شبكة الطرق بمدينة سنغافورةالجديدة والذي أشار إلى أن تصميمه استند إلى تلبية الخطط المستقبلية والتوسعية والزيادة السكانية للمدينة خلال الخمسين عامًا القادمة، وقد جلبته حكومة الإمارات للاستعانة به في تصميم مدينة دبي للخمسين سنة القادمة. نحن بحاجة إلى مثل هذه العقول لوضع حلول جذرية مستقبلية لهذه المشكلة.