تتفاقم الاختناقات المرورية في مكةالمكرمة خلال المواسم مؤدية إلى تعطيل الحركة المرورية وإغلاق المنافذ وخنق الأنفاس في كثير من الاحيان. وعلى الرغم من تنوع الحلول المطروحة إلا أن الكثير من الطروحات لم تتطرق الى جانب السكن لحل المشكلة ولهذا طرحت «المدينة» الحل الإسكاني كأحد مقومات الحلول لهذه الظاهرة. وتركز الحوار في عدة محاور أهمها إمكانية توزيع المعتمرين توزيعا جغرافيا على أحياء مكةالمكرمة وأيضا مدى نجاعة إنشاء مدن في أطراف وضواحي مكة لإسكان الحجاج والمعتمرين بهدف تفريغ المنطقة المركزية المحيطة بالحرم المكي الشريف من التجمعات. وقد اختلفت الاراء في ذلك ففي حين راى البعض اهمية بناء مدن على ضواحي مكة لاستيعاب الحجاج والمعتمرين مع توفير شبكة نقل عام قوية، رأى البعض الآخر أن هذا الامر لن يكون مجديا لرغبة الزوار في البقاء بجوار الحرام، فضلا عن انه سيؤدى لخسائر كبيرة للمستثمرين بجوار الحرم. بالخير: المدن الجديدة لن تكون مجدية يقول وكيل وزارة الحج المساعد والمكلف بمهام فرع الوزارة بمكةالمكرمة عادل بن محمد بالخير إن خدمات النقل في أي مدينة تعتبر الشريان والعنصر الرئيسي لها. مشيرًا الى أن توزيع المعتمرين والحجاج على أحياء مكةالمكرمة أو إنشاء مدن خاصة بهم في الأطراف لن تكون مجدية إذا لم يصاحبها خدمة متميزة للنقل العام لان هذه الفئة تعتبر المسجد الحرام مقصدا رئيسيا وأساسيا لهم وهو هدف قدومهم لمكةالمكرمة، وبالتالي يتعين أن يكون ترددهم على السجد الحرام في اليوم الواحد أكثر من مرة. وأشار إلى أن هذه المدن والضواحي إذا لم تكن مرتبطة بالمنطقة المركزية بشبكة نقل عام بكامل المتطلبات وبوسائل نقل متنوعة تحقق الرغبات المختلفة فسوف تكون عبئا إضافيا على الحركة المرورية. وأبان أن تخطيط المدينة يجب ألا يقتصر على توفير المنشآت السكنية التي تستوعب أعدادًا كبيرة من الحجاج والمعتمرين بل يجب التركيز أيضا على توفير باقي الخدمات الأساسية ومن أهمها شبكات الطرق للنقل العام والمشاة، مشيرا إلى أن المشروعات التطويرية التي تنفذ في مكةالمكرمة حاليا في إطار الطريقين الدائري الأول والثاني ستسهم دون شك في زيادة الطاقة الاستيعابية للواقع. ودعا الى ضرورة الاخذ بعين الاعتبار حركة النقل العامة القادمة لمكة والخارجة منها وربطها مع محاور الطرقات الرئيسية للمدينة لان إغفال هذا الجانب سيزيد من حجم مشكلة الاختناقات المرورية وتفاقمها. حريرى: توزيع الإسكان يسهم في فك الاختناقات أرجع الدكتور مجدي محمد حريري عضو مجلس الشورى الاختناقات المرورية لأسباب كثيرة من أهمها عدم جودة التخطيط العام للمدينة وتوزيع الكثافات بصورة غير منتظمة. وأضاف: من الملاحظ تركز إسكان المعتمرين في المنطقة المركزية وفي أحياء معدودة لأسباب تتعلق بالقرب من المشاعر المقدسة، مما يسبب زيادة الحركة المرورية في شوارع دون غيرها، وبالتالي فإن توزيع إسكان المعتمرين على مكة يسهم في فك الاختناقات المرورية ولكن المهم هو كيف يمكن عمل ذلك بالتحفيز دون اللجوء للقوانين وفرض العقوبات. ويضيف حريري أن بناء مدن لإسكان الحجاج والمعتمرين في ضواحي مكة وأطرافها يسهم في حل المشكلة إذا كان ضمن خطة شاملة تضمن نقلًا عامًا بواسطة القطارات والحافلات. ورأى أن حل مشكلة الاختناقات المرورية يتم من خلال عدة أمور متكاملة منها تنفيذ شبكات النقل العام مثل القطارات أو العربات المعلقة أو شبكة مسارات محررة للحافلات أو غيرها من أجل نقل الأعداد الكبيرة التي تقصد المسجد الحرام بسهولة، وبالتالي تحد من اللجوء لاستخدام سياراتهم الخاصة. واشار الى ان ما يجري حاليا في مواقف كدي للسيارات له أثر كبير في تقليل اختناق المنطقة المركزية ولكن نحتاج إلى تنظيم أفضل لتقاطر الحافلات حسب مواقيت الصلوات كما نحتاج إلى جهة تلزم النقل الجماعي وشركة بن لادن بعمل محطات تليق بسكان مكة والمعتمرين لأن محطة الإركاب عند الحرم غير لائقة تماما. ومن الحلول إلزام المطورين بعمل دراسة الأثر المروري على الشوارع المحيطة لأي مشروع عقاري كبير والأخذ بالتوصيات العلمية الناتجة عن تلك الدراسات. وشدد على أهمية التخطيط الشامل الذي يراعي تصميم الطرق لاستيعاب حجم الحركة الناتج عن الكثافات السكانية المرتفعة في الأحياء المختلفة. الأحمدي: بناء مدن على الطرق الإشعاعية ارجع يوسف بن عوض الأحمدي رئيس مجلس إدارة شركة الأفكار السعودية الاختناقات المرورية وخاصة في المواسم بمكةالمكرمة الى تكدس الحشود السكانية في الحج ورمضان في أحياء معينة، داعيا الى التنسيق بين إدارة مرور مكةالمكرمة وأمانة العاصمة المقدسة وهيئة تطوير مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة وأخذ الرأي والمشورة من المكاتب الهندسية وشركات التطوير المتخصصة لإقامة ورشة عمل لكي نقف على المشكلة من أساسها. وأشار إلى أنه سبق أن اقترح أثناء موسم الحج تقسيم مشعر عرفات إلى سبع مناطق تستوعب كل منطقة (300) ألف حاج ينتقلون إلى مشعر مزدلفة عبر طرق مخصصة سواء من الجهة الشمالية او الغربية أو الجنوبية على أن يكون هناك طرق تؤدي إلى هذه المناطق بكل يسر وسهولة. ودعا الى وجود مدن مصغرة مبنية بأحدث الوسائل في أطراف مكةالمكرمة على ألا تزيد مساحتها على (300) ألف متر مربع وتكون مقسمة إلى سبع مناطق شرط أن يكون لكل مدينة طرق خاصة تؤدي إلى الحرم المكي الشريف مكونة من خمسة مسارات ومن ضمنها مسار مخصص للقطار. ولفت إلى أن خطة تطوير المناطق العشوائية والتي يتبناها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة تواكب هذا الفكر الراقي للتطوير وللتنمية التي تشهدها مكة. وأبان أن الحلول تشمل الإسراع في تنفيذ الطرق الإشعاعية الأربعة التي ذكرها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير مكةالمكرمة على أن تنطلق من الطريق الدائري الأول من الحرم المكي ثم خارج المنطقة المركزية بطول (30) كم، مشيرا إلى إمكانية بناء مدن سكنية على هذه الطرق خاصة بالحجاج والمعتمرين تعود بعوائد اقتصادية على مكةالمكرمة. وأوضح أن بناء المدن في هذه الطرق يسهم في خفض سعر المتر في المنطقة المركزية من (500) ألف ريال إلى (200) ألف ريال ورفع سعر المتر في المناطق البعيدة، بحيث يصل إلى حوالي (2000) ريال مشيرا إلى أن ذلك يؤدي إلى تحقيق التوازن الاقتصادي. القرشي يرفض مدن الضواحي يقول سعد بن جميل القرشي رئيس لجنة الحج والعمرة بالغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة: إن قضية الاختناقات المرورية لا تزال تشكل هاجسا كبيرا خاصة في موسمي الحج ورمضان، مشيرا إلى ان المطالب بإقامة مدن خاصة بالحجاج في ضواحي مكةالمكرمة غير مجدية لأن المستثمرين وملاك الفنادق في المنطقة المركزية سيرفضون هذه الفكرة بسبب الخسائر المادية الكبيرة التى ستحل بهم. كما أن المعتمرين والحجاج قد يرفضون إقامة مثل هذه المدن بحجة بعدها عن الحرم المكي الشريف وهو الوجهة الأولى التي يقصدون مكةالمكرمة من اجلها. وأضاف القرشي أن الأعداد المتزايدة والمضطردة في أعداد المعتمرين والحجاج سنويا تعد سببا مباشرا في زيادة الاختناقات المرورية والتي تشهدها أم القرى، نظرا لصغر مساحة المنطقة المركزية بصفة خاصة ومكة بصفة عامة حسب طبيعتها الجغرافية، مشيرا إلى أن الإحصائيات الرسمية التي أعلنتها وزارة الحج أظهرت أن هناك زيادة وصلت هذا العام في أعداد المعتمرين إلى قرابة 30% مقارنة بالأعداد في موسم رمضان من العام الماضي. وأبان القرشي أن الحلول تكمن في الإسراع بتنفيذ شبكة القطارات الداخلية أو ما يسمى ب(الترين كرين) إضافة إلى التوسع في حركة النقل الترددية بالنسبة لباصات النقل والتي تم تطبيقها في موسم رمضان الماضي وحققت نجاحا ملحوظا في قلة أعداد السيارات في المنطقة المركزية. أبو رياش: توزيع المعتمرين يربك الطرق القديمة يقول الشريف منصور بن صالح أبو رياش رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة: إن توزيع المعتمرين على أحياء مدينة مكةالمكرمة لفك الاختناقات المرورية فيه مشقة كبيرة على المعتمر والحاج، نظرا لوجود أحياء بعيدة علاوة على أن هذا التوزيع في الوقت الحاضر فيه إرباك لشبكة الطرق القائمة حاليا. واشار الى أن بعض شركات العمرة أسكنت معتمريها في حي الزاهر على سبيل المثال ووجدت صعوبة في عودتهم وقت الظهيرة لتزامن ذلك مع مواعيد المدارس. وأضاف إن إسكان الحجاج بضواحي مكة غير مجد لضعف الاهتمام بالبنية التحتية بها من مياه وكهرباء وصرف صحي وطرق وشبكة الأسواق وكان من المفترض الاهتمام بها لايجاد آفاق واعدة لإسكان الحجاج والأهالي وكسر حاجز السعر في الإسكان الدائم. وخلص إلى أن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن هذه الضواحي لعدم اكتمال منظومة الخدمات والنطاق العمراني ووظائف التنمية. وأبان أن شبكة النقل الحديثة داخل مدينة مكة وضواحيها لم يتم تنفيذها، مشيرا إلى أن الحل هو اختيار الحاج والمعتمر موقع سكنه لأننا زلنا في طور إنشاء المشاريع التطويرية. شفي: ضرورة لتخفيف الزحام يقول الأمين العام للغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة عدنان شفي إن توزيع إسكان المعتمرين على أحياء مكةالمكرمة يسهم في فك الاختناقات المرورية شرط أن يكون هذا التوزيع مدروسا ومتّزنا على جميع نواحي مكة وأن يكون داخل نطاق توفر الخدمات الأساسية مثل الإسكان المهيّأ والنقل وأماكن الطعام والشراب والأسواق وغيرها من الخدمات الأساسية للمعتمر، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون هذا التوزيع داخل نطاق الطريق الدائري الثالث كأقصى حد. وأضاف من وجهة نظري أن بناء مدن لإسكان الحجاج لا يل المشكلة لأن ذلك يستدعي بناء شبكة نقل عامّة على أعلى المواصفات العالميّة ولو توفرت مع نظام الإسكان الحالي في مكة لانتهت المشكلة، مشيرا إلى أن الحلول تكمن في تنفيذ دراسات وعلى أعلى المواصفات العالمية لدراسة احتياجات الإنسان المكّي بجميع شرائحه الساكن والزّائر والمعتمر والحاج والفقير المتوسط والغني ومن ثمّ يتم عمل تصميم الإسكان المناسب لهم وآليات نقلهم من وإلى الحرم والمشاعر المقدّسة. وطالب بالأخذ بالعامل الاجتماعي الذي له دور كبير في هذه المشكلة واختلاف الثقافات الموجودة بمكة ومراعاة التفاعل معها.