يقول أحد كبار الفلاسفة الراحلين: (من يحتمل عيوبي أعتبره سيدي، ولو كان خادمي!) كلام جميل لو وجد طريقاً لمن يفهمه ويستوعبه أولاً ثم يتنازل فيطبقه. هل يدخل هذا في عالم المثاليات النادرة؟ ربما! لكن طرقه باستمرار والتذكير به دائماً داخل الأسرة الناشئة سيجعل من الحياة واحة سعادة أكبر، وسيمنحها فرصة أعظم للاستمرار والبقاء، وسيحول دون القلق والخصام وربما الطلاق في نهاية المطاف. ولعل أعظم مشكلاتنا الأسرية تنطلق من نظرية (أنا لا أخطئ) و(كلامي هو الحقيقة المطلقة) و(رأيي لا يُعلى عليه) و(عمري ما غلطت عليك!). هذه المسلمات الوهمية هي أساس الاحتكاك الذي ينشأ صغيراً ثم يكبر، حتى ينقلب إلى شجار دائم أو حزن مستمر، فتكون الحياة من طرف واحد لا حب فيها ولا تقدير ولا احترام، وإنما خوف ورهبة وقلق وانفصام. ولو أن صاحب هذه المسلمات (الوهمية) أدرك مدى تهافتها وضعف صحتها، ثم أعلنها صريحة لنفسه الأمّارة بالباطل لعلم أي استحقاق من التقدير والاحترام هو واجب لشريكة حياته، أو لشريك حياتها إن كانت هي صاحبة الزعم الباطل. ولأن الرجل هو أكثر المستبدين في الرأي، فهو أولى بفهم المثل المشار إليه أعلاه، عيوبك يا سيدي الرجل كثيرة، وأولها زلات اللسان، وهفوات الكلام التي لا يحتملها عادة إلا الزوجة الصابرة المصابرة. ولأن ذلك كذلك، فالمطلوب منك أن تقر بسيادتها وتعلن لها بكل جرأة وشجاعة أنك الخادم الأول لها، والخادم لا يرفع صوته فضلاً عن يده، ولا يصر على رأيه فضلاً عن فرضه على الآخرين. والاعتراف بالخطأ ليس غريباً عن تعاليم ديننا الحنيف، فنحن ندرك أن كل ابن آدم خطاء، ولكن لا نمارس ذلك إلا نادراً خاصة في عالم الأسرة الصغيرة، بل إن من مظاهر العجرفة الفائقة الإصرار على الخطأ، وصاحبه يدرك في أعماقه فداحة الخطأ، حتى إنه يلجأ إلى الكذب ليتحول من خطّاء إلى منافق، ومن إنسان سوي إلى أفّاك أشر. والأدهى من ذلك كله اقتداء المتفرجين الصغار برب البيت الكبير، ليكونوا نواة مشاريع مستقبلية للاستبداد والإصرار على الخطأ وسوء المعاملة للزوجة والأهل.