حتى معرفة العيوب الموروثة من الوالدين أو الأسرة، أو العيوب المتكونة بسبب التربية وتأثير المدرسة أو الأصدقاء أو ظروف الطفولة. هل هذا من تأثير التربية؟ نعم! رُبّ تربية يكون من حسناتها حفز الإنسان على أن يعرف ذاته، وأن ينشغل بها ويصنع الأحافير ويكتشف الكهوف والمغارات والسراديب في أطوائها، ليس هذا فقط، بل يعمل بجد وصبر ودأب على ترميمها وإصلاحها أو تحجيم نفوذها وتأثيرها في شخصيته وحياته. الفارق هو بين من يلتقط هذه الفكرة (فكرة عالج نفسك بنفسك)، وقد يجدها عند والده أو مُدرّسه أو زميله، أو يقرؤها في كتاب أو يسمعها في برنامج، ثم يعمل على تحويلها إلى عادة سلوكية يمارسها بانتظام، ليس في التصرفات العملية فحسب، بل في الإحساسات العاطفية والتي يمليها القلب، والأحكام العلمية التي يقررها العقل. فالقلب والمخ هي أعضاء يستطيع المرء أن يتحكم فيها بدرجة ما، وهو مسؤول عنها. وحين يمارسها بانتظام فهذا يعني أن تتحول مع الوقت والمداومة واليقظة إلى مؤثر أكبر في شخصيته. ستدين له نفسه وتستسلم في أشياء، وستظل جيوب مقاومة ورفض في أشياء، وسيعجز عن معالجة نمطٍ مستعصٍ من العيوب، فالأشياء التي لا يحبها في نفسه عليه أن يغيرها، وحين يعجز عن تغييرها فعليه أن يحاول، وحين يعجز عن المحاولة عليه أن يتكيف معها. حين يتحقق لك نجاح عليك أن تقرأ على ملامحه بصمات كثيرة شاركتك في صناعته، والدك، زوجتك، أصدقاؤك، رئيسك، القريب الذي تبنّى المشروع ودعمه.. إلى آخر القائمة التي تتسع وتطول أو تقصر، حسب طبيعتك النفسية، وحسب قدرتك على التجرد من الأنانية وحظ النفس، لتمنح الآخرين دورهم وتثني على إنجازهم. وفي سياق الذم ذكر الله تعالى قول قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص: من الآية78)، حتى خصومك ساعدوك على النجاح من حيث لم تتوقع. عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَبعدَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا همُ بَحَثوا عَن زلَّتي فَاجتَنَبتُها وَهُم نافَسُوني فَاكتَسَبت المَعاليا هل من العدل أن ينسب الإنسان النجاح لنفسه ومواهبه وسهره، ليثبت الفشل لمجتمعه وبيئته حين يتحدث عن العقبات التي واجهها في بداية حياته، حتى نجد كثيرًا من الكاتبين أو المتحدثين عن سيرهم الذاتية يبالغون في رسم التحدي الذي لقوه، وما أبرئ نفسي أن يكون القلم تجاوز بشيء من هذا في «طفولة القلب»! فرق ما بين الواعي والمتخلف أن الواعي يدرك أن النجاح ليس صفة لازمة للإنسان، والذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما، والنجاح يكون حتى في التعامل مع الفشل.. فهنا لدينا القدرة على التعبير ب «الفشل الناجح» أي: الذي يمنح المرء دروسًا وخبرة، ويزيده صبرًا وإصرارًا، ويكشف له جوانب خلل في ذاته، ليعيد المحاولة ويحقق الهدف. والنجاح ليس سمة حتمية دائمة، وإنما هو نتيجة؛ ولذا فعلى المرء أن يكون قادرًا على استيعاب الفشل والإخفاق كقدرته على استيعاب النجاح. وربما كان الفشل سببًا إلى النجاح أو كان النجاح سببًا إلى الفشل. وربّما كانَ مكروه النفوسِ إلى محبوبِها سببًا ما مثله سببُ يقظة الفرد عامل جوهري في النجاح، نجاح العلاقة الزوجية، أو الصداقة، أو المشروع التجاري أو الثقافي، أو النهضوي، وهذا إيمان بالفرد القادر على التغيير (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (النساء: من الآية84). والمجتمع والبيئة هي الحاضن لهذا النجاح، ومن صميمها وجد الدفع والتحفيز، أكان إيجابيًا بصناعة المناخات الداعمة للإبداع والتألق والبحث والتطوير، أو حتى سلبيًا بصناعة التحدي الذي يستفز كوامن الإبداع ويحركها. ليس من العدل أن تتحدث عن البيئة بلغة الازدراء والتنقص أو التسفيه المطلق، أو الأحكام التعميمية «الناس منافقون، أغبياء، جهلة، ماديون.. إلخ». أو أن تردد مع (الحريري)؟ قوله: لا تغتررْ ببني الزمانِ ولا تقلْ عند الشدائد: لي أخ ونديمُ جربتُهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل والحميم حميمُ!