تصلني رسائل كثيرة حول موضوع يتكرر ويعاد، خلاصته أننا نعرف عنك العزوف عن الدفاع عن نفسك، وابتعادك عن حرب الردود، ولكن ليس صحيحًا أن هذا هو الصواب دائمًا، فثمة أمور ربما كانت ملتبسة على بعض الناس وفهموها عنك خطأً فبيانها كاشف لهذا اللبس، كما أن الرد على بعض الطعون يسرع بإطفاء الفتنة...إلخ. وأقول: إن من حق المرء أن يدافع عن نفسه، لكن هذا ليس واجبًا في الأصل، والدفاع عن النفس والانهماك فيه مشغلة للذهن، وصرف للجهد عن قضايا الإسلام والمسلمين. ولن يؤدي إلى إطفاء نيران الفتن، بل هو سيزيدها اشتعالًا؛ لأنه سيقدم مادة جديدة يتم التعليق عليها وإخراجها والبحث عن عثراتها، وهو سيؤكد أن ثمة فريقين يختصمان، بينما الأولى أن تظل القضية أن طرفًا يهاجم، وآخر يلوذ بالإعراض عنه، والاشتغال بما هو أهم، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. يوجد -أخي الكريم- ما يزيد على أربعة مليارات إنسان فهموا ربهم خطأً، أو حتى كفروا به وأنكروا وجوده، فلماذا لا ننشغل بكشف هذا اللبس في حدود طاقتنا؟ يوجد -أخي الكريم- ما يزيد عن مليار مسلم، ينتشر بينهم الضلال، وتروج البدع، وتعبد القبور، ويدعى الأولياء، وتمارس الفواحش، ويتعاطى الربا.. وتقع أجزاء من بلاد المسلمين تحت وطأة الكافرين وسلطانهم، كاليهود والنصارى والملحدين ... ويتعرضون لأبشع صور التعذيب والنكال والقتل والاغتصاب، وتعيش شعوب إسلامية فيما يشبه حالة الاحتضار. في طائفة من محن وأخطاء وخطايا يعيشها المسلمون. وهذا ليس هجاء لهذه الأمة المصطفاة، فهي في قلوبنا ووجداننا، ونحن -بحمد الله- ممن يحفظ لهم وصف الإسلام، وإن وقعوا في الآثام، وحتى أولئك الذين وقعوا في الشرك جاهلين نؤثر عذرهم بالجهل، وبقاءهم على الأصل. ورحمته وسعت كل شيء، فنسأله ألا يحجبها عنا بذنوبنا، ولا عن أحدٍ من المسلمين، ويفترض أن نستفيد من خصمنا الكثير. نستفيد الانتباه إلى أي ملاحظة أو خطأ وقع فيه الإنسان «وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» أخرجه الترمذي (2499) وابن ماجة (4251) من حديث أنس -رضي الله عنه- وإن كان الناقد محبًا قلنا: رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا. وإن كان شانئًا، قلنا: عداتي لهم فضل عليّ ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا وبعض الناس قد يركب متن الخطأ إصرارًا وعنادًا واستكبارًا، وهذا ضعف في الشخصية، ونقص في الثقة بالنفس. وآخرون قد يتنصلون، ويتراجعون، ويعتذرون عن الصواب، أو ينطقون بالخطأ وقصدهم حماية أنفسهم، أو السلامة من لسان فلان وفلان، وهذا أيضًا ضعف في الشخصية، ونقص في الثقة، وقلة أمانة. كما نستفيد من خصمنا الاعتياد على سماع النقد، بل والسب والشتم والاتهام والجرح، ولا أحد يسلم قط، ومن تعود على سماع المديح المحض والثناء والإطراء ربما ثقل عليه سماع النقد والملاحظة، حتى لو كانت من وادّ ناصح، وبأسلوب لين، وحتى لو كانت حقًا جليًا. وربما كان سماع الثناء المجرد سببًا في إعجاب المرء بنفسه، وذهابه وتيهه، والله أعلم بعباده. والذي نختاره لإخواننا الشباب في بلاد العرب، وفي بلاد المهجر، وفي كل موقع، ألا يدافعوا إلا عن دينهم، ولا يشغلوا أنفسهم إلا بالحق، حتى لو سمعوا من يتكلم، أو يزيّف أو يتهم، وحتى لو رأوا أن الناس اقتنعوا بما يقول هذا وأجلبوا وراءه، وتناولوا فلانًا وفلانًا بالعيب والثلب، فالأمر هين، ومسائل الأشخاص والأعيان لا يجب أن تكون ميدان خصومة ولغط، والكف والإعراض أولى. ونختار أيضًا: العمل الجاد المثمر، تعلمًا، وتعليمًا، ودعوة، وتعاونًا بين العاملين، وسعيًا في التربية والإصلاح، وانتماء حقًا للأمة بشمولية هذا الانتماء وعمقه وامتداده، مشاركة في ميادين الخير، إعلامًا، واقتصادًا، ونشاطًا اجتماعيًا، وتنمية للمواهب والطاقات، ورعاية للإبداع. إن هذه الأغلوطات والمسائل الصغيرة لا تنمي عقلًا، ولا تبني ثقافةً، ولا تؤسس علمًا، ولا تشيد بناءً، ولا تحفظ ودًا، ولا تصلح فاسدًا، ولا تقيم معوجًا.