إن الله جل جلاله ذكر عباده المؤمنين ومنّته عليهم وفضله عليهم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، ليعرفوا قدر هذه النعمة، فيشكروا الله عليها، ويحمدوه عليها ويلتزموا ما جاء به محمد علمًا وعملاً قال تعالى:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، أجل إنها منة كبرى ونعمة عظمى لمن تدبر وتعقل. (لقد من الله على المؤمنين) فالمؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله هم الذين يستشعرون هذه المنة، ويعرفون قدر هذه النعمة حق المعرفة،( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم)، يعرفون حسبه، يعرفون نسبه، يعرفون صدقه، ما جُرّب عليه كذب، وما عُرف بخيانة، ولا عثر فيه على خلق سيئ، بل هو محفوظ بحفظ الله من نشأته إلى وفاته، محفوظ بحفظ الله من كل سوء، ما عبد وثنًا، وما تعاطى مسكرًا، وما اقترف جريمة، بل هو معروف عندهم بالصادق الأمين، أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلمه فأحسن تعليمه، واختاره لهذا الأمر العظيم، لهذه الرسالة الكبرى، وربك يعلم حيث يجعل رسالته . (يتلو عليهم آياته)، يتلو عليهم القرآن، فيه خبر من قبلهم، وحكم ما بينهم، ونبأ ما بعدهم، يتلو عليهم هذا القرآن الذي هو سبب لإخراجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى، (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)، ويزكيهم، يزكي أخلاقهم، يزكي نفوسهم، يزكي عقولهم بطهارتها من الشرك قليله وكثيره، وطهارتها من رذائل الأخلاق وسفاسف الأعمال، علمهم القرآن، وعلمهم السنة، وإن كانوا من قبل مبعثه لفي ضلال مبين.