جدل كبير أثاره الإعلامي عبداللطيف المناوي وأثير حول دوره في كتابة النهاية للنظام المخلوع في مصر ورئيسه حسني مبارك.. هل المناوي الذي كان يرأس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري كان ضد الثورة أم مساند لها عبر رفض الرضوخ لأوامر النظام في اللحظات الأخيرة؟ وهل الزوبعة التي أثارها ضده موظفو التلفزيون أيام الثورة كانت جزءً من حملة تشويه لصورته وتقديمه على أنه من رجال النظام السابق؟ يبدو أن المناوي بعد أن خرج من التلفزيون لم يجد نافذة يروي فيها الحقيقة ومن وجهة نظرة، ولذلك أصدر كتابه «قبل 25 يناير.. بقليل» وجمع بين دفتيه المقالات التي كتبها من يناير 2010 إلى يناير 2011 ودون في مقدمته أنه لم يكتب ما يخجل منه فهو راضٍ عمّا كتب، منتقدًا القدرة العجيبة التى كشفتها هذه الانقلابات البهلوانية في المواقف، محللًا أن هناك مواقف ظلت على تأييدها للنظام السابق حتى بعد السقوط، والبعض ظل في موقفه الناقد، واصفًا هذا بالاتساق في المواقف. يقول المناوي: ما نشر في مقالات في هذا الكتاب لن يكون مناقضًا أو متعارضًا مع ما كتبت في الماضي عند نشره اليوم.. فأهم لحظة هي تلك التي ينظر فيها المرء في مرآة فلا يخجل من أن ينظر إلى عينيه مباشرة، ويجد الملامح التى يراها في المرآة هو شخص يعرفه تمامًا، يحترمه ويقدره. وفي إحدى مقالات الكتاب أشاد المناوي بالمرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشأن ضبط فوضى الفتاوى، فقد أغلق الأمر الملكي منافذ كانت تستعمل لإصدار الفتاوى مثل المواقع الإلكترونية والبرامج التي كانت تتلقى اتصالات مباشرة من الناس عبر الفضائيات، فقد طالبت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من الأئمة والواعظين التقيد بالأمر وقصر إصدار الفتوى على المرخص لهم بذلك منعًا للبلبلة في الأحكام والفتاوى، وأصبح ارتباط الفتوى مقتصرة على ما يقول به أعضاء هيئة كبار العلماء. المناوي يرصد في الكتاب إلى أنه طالب دومًا كإعلامي أن يكون الإعلام الحكومي بمفهوم الدولة التي يدفع مواطنوها الضرائب لها، وقال إنه حارب من أجل ذلك، مبينًا أنها مواقف كانت راسخة بالنسبة له ولم يسقط قناعه لأنه لم يرتدِ قناعًا، على حد قوله. وتناولت المقالات الكثير من الأوضاع التي كانت قبيل الثورة، فقد كتب عن البرلمان المصري قائلاً: أتمنى أن أجد نوابًا شاركنا نحن المصريين في اختيارهم بالفعل نزلنا إلى صناديق اقتراع شفافة ولا نجد نوابًا يتاجرون بقوت الشعب ولا بأموال علاجه، أتمنى نوابًا بحق عن الأمة يراعون مصالح البسطاء من الناس ولا يتورطون في انجراف اخلاقي أو تهرب من أداء الخدمة العسكرية أو فساد مالي، وأن يكون من يختاره الناس محل ثقة من الناس. ويكشف الكتاب عن فشل الحكومات المصرية المتعاقبة في تقديم اعتذارات لفشلها في تلبية رغبات المواطن أو لارتكاب كارثة في عهدها مثلما اعتذر رئيس الوزراء البريطاني جون براون لسيدة هاجمها تدعى جليان لأنه انتقدت سياسة الحكومة البريطانية بشأن الاقتصاد والهجرة، فقد وصفها على قناة سكاي نيوز بأنها امرأة متعصبة، فانزعجت السيدة من تصريحات رئيس الوزراء في مقابلة لها وقالت إنه رجل مسؤول فكيف له أن يتفوه بمثل تلك الألفاظ ولا يتقبل النقد؛ مما دعا براون إلى أن يعتذر لها علنًا في لقاء تلفزيونى.. ويؤكد المناوي أن هذا يلزم إعداد كوادرنا بحيث تعترف بالخطأ وتعلنه للمواطن بكل شفافية. وفي إحدى مقالات الكتاب تطرق المؤلف إلى ضرورة تنفيذ البرنامج العربي للحد من البطالة بين الدول العربية بحيث تكون هناك رؤية إستراتيجية لخفض معدلاتها بحلول عام .2015 ويهاجم الكتاب بشدة ما تعرضت له الأراضي المصرية من سلب ونهب عبر تورط كبار المسؤولين بعلم أو بغير علم، مؤكدًا أن الدولة لم تتعامل مع من تعدوا على أملاك الدولة بشكل حاسم مما خلف العشوائيات، مشيرًا إلى أنها اتخذت أسلوب «عفا الله عما سلف»، وذكر في إحدى المقالات أن من يرصد تلك التعديات من وسائل الإعلام يعتقد أنه سوف نصل إلى قرارات إيجابية. ويتساءل المناوي: هل العيب في سقف تطلعات الناس أم في الحكومات؟ ويقول في مقال له بعنوان «لكي يرضى عنكم الناس» إن العيب ليس في الناس ولمشكلة في عجز الحكومات في تحقيق ما هو متاح لصالح الشعب، ولنتخيل ماذا لو الحكومة حققت بسهولة ويسر الحياة الآدمية البسيطة لمواطنيها، بالقطع سوف يكون هناك حالة رضاء تام من جراء ذلك. ويتناول الكتاب قضايا إستراتيجية تشكل عصب الاقتصاد المصري مثل «القطن» فالقطن كان يسمى الذهب الأبيض وهو جزء من تاريخ هذا البلد أهملته الدولة والفلاح بزراعة اللب والكانتلوب والفراولة فقد كانت أسهم مصر من القطن في السوق العالمية حوالى 40 بالمائة انخفضت الى 20 % وأصبح القطن الأمريكي الذي يتفوق عليه القطن المصري في الجودة هو أكبر المنافسين بفضل دعم أمريكا لزراعة القطن. وطالب المناوي بضرورة دعم الدولة للقطن وتحفيز مزارعي القطن على زراعته وإنشاء صندوق موازنة لأسعاره. «القمح كسلعة إستراتيجية أخرى تطرق لها الكتاب، مشيرًا إلى أن عدم الرقابة على المخابز جعل هناك اهدارًا في استهلاك القمح وبالأرقام يقول في الخمسينات كان استهلاك الفرد 69 سنويا كيلو بقدرة قادر وصل استهلاك الفرد إلى 170 كيلو جرام، بينما أن معدل استهلاك الفرد في دولة مثل الهند سنويا 70 كيلو جرام، وهذا يعنى أننا تجاوزنا على المعدل العالمي 100 كيلو وهذا لا يعنى أن المصريين طاقتهم في الأكل زادت ولكن يوجد شكل من أشكال الإهدار من الطبيعي إذا قام مخبز بمنتهى الأمانة بخبز حصته من الدقيق لنقول «عشرة جوالات» يعد مكسبه الشرعي شهريا 3500 جنيه، وإذا كان يسرق «جوالين» يوميًا ويبيعهم في السوق السوداء يدخل جيبه شهريًا 35 ألف جنيه من السرقة إلى جانب استخدام القمح المدعوم في طريق غير شرعي هو علف للحيوانات الأسماك والدواجن. وفي مقال له أثناء الثورة بتاريخ 28 يناير 2011 يربط المناوي بينها وبين ما حدث في أوروبا عام 68 19حيث إن الحركات الشبابية كانت تبحث لها عن دور، وبالتالي فإن الشباب العربي والمصري الذي أخذ على عاتقه الانتقال إلى مرحلة جديدة هو بحاجة إلى مشاركته واستثمار طاقته. وينتقد الكتاب حال بعض الدول العربية في التطلع إلى علاقات مع دول أوروبية على حساب دول الجوار أو من تربطنا بها روابط ومصالح قد تحقق لنا مكاسب اقتصادية واستثمارية مثل بعض الدول الإفريقية، ففي الوقت الذي تستثمر دول اقتصادية كبرى في دول نامية للاستفادة من مواردها ولا تنظر لتلك الدول نظرة فوقية نتطلع نحن العرب لإقامة علاقات مع دول تكبدنا الخسائر ولا تفيدنا بل تستفيد منا. المناوي قدم «مرافعته» مبثوثة في ثنايا هذا الكتاب، فهل تتغير صورته ولو قليلاً في مرآة منتقديه!