إذا كان قانون الاختلاف بين بني البشر هو أحد السنن الإلهية الثابتة في القرآن الكريم، فإن الشعور بالعداء تجاه المختلفين - فقط لأنهم مختلفون - هو أحد مظاهر الاعتراض على الإرادة الإلهية نفسها . للوهلة الأولى تبدو مشاعر العداء التي يكنها المتعصبون تجاه المختلفين، تجسيدا لمبدأ فكري شاذ يقوم على رفض الآخر. لكن المسألة إذا ما تأملناها تبدو أكثر خطورة من ذلك بكثير. إن عدم تقبل الاختلاف يعني قبل كل شيء عدم تقبل إحدى أهم السنن التي أقرها الله سبحانه وتعالى فيما يخص حياة البشر على الأرض، وفيما يختص بعلاقاتهم أيضا. يقول الله سبحانه وتعالى: ((وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون )) يونس. ويقول تعالى: ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) يونس. ويقول تعالى: ((ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين )) هود. ويقول تعالى: ((ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )) . ويقول تعالى: ((لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )) المائدة. ويقول تعالى: (( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون)) النحل كل الآيات السابقة تؤكد بأن الاختلاف لم يكن ليظهر ويستمر إلى يوم الدين، لولا مشيئة الله التي عبر عنها القرآن الكريم بعبارة (( لولا كلمة سبقت من ربك )) . والكلمة التي سبقت وقوع الاختلاف، تعني أن الله سبحانه وتعالى قد قضى بوجود هذا القانون قبل أن توجد ظاهرة الاختلاف التي لم تكن إلا نتيجة طبيعية لقضاء الله سبحانه. القرآن الكريم لم يكتف بكل النصوص المشار إليها سابقا، ولكنه عمل على أن يكشف عن أحد أهم الأسباب التي كرست قانون الاختلاف : ((ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون )) الأنعام. احترام قانون الاختلاف هو أحد أهم مظاهر الطاعة والرضوخ للإرادة الإلهية.