قال الضَمِير المُتَكَلّم : تقول أم محمد : فجر كل يوم دراسي ، وعند الساعة الثالثة ، أرفع الغطاء عن طفلي الصغير ، أتأمل ملامحه البريئة ... أخرج من الغرفة ... وعند الباب أعود ثانية ، أنظر إليه ، أحضنه ،... تتساقط حبات الدّمع على خَدّي ... أضمه أكثر ؛ فربما تلك نظرة .. ضمّة وداع لا لقاء بعدها !! هأنا أغلق باب منزلي ، وأركب سيارة متهالكة ؛لأغادر في رحلة عذاب يومية أقطع فيها مع زميلاتي أكثر ( 400كم ) ذهاباً وإياباً ؛ لنُمَارس التدريس !! لا تقولوا : هذا تَرف أو طمع ؛ فو الله نفعل ذلك بحثاً عن لقمة العيش لأسرنا ذات الدخل المفقود !! في هذه اللحظات نحن في منتصف طريقنا ، وعند هذا المنعطف الذي نمُرّ به الآن شاهدنا قبل أيام بعضاً من زميلاتنا جثثاً هامدة ملقاة على قارعة الطريق ( آهٍ ما أصعبَ فراقهنّ ، آهٍ قد نلقى مصيرهُنّ ) !! المشاهد التي رسمتها ( المعلمة أم محمد ) بدموع العيون على الجفون ، حكاية العديد من المعلمات والطالبات اللائي يقطعن يومياً الفيافي والوديان لكيما يُدَرّسْنَ ، أو يَدْرُسْنَ !! حوادث شبه يومية تلتهم أولئك المسكينات ، تتحدث عنها وسائل الإعلام وقتياً ، فيها تتعارك الاتهامات ، ويتم تبادلها بين عدة جهات حكومية ؛ يستمر ذلك ليومين أو ثلاثة ، ثمّ تموت القضية دون حلول واقعية !! أرقام كبيرة لتلك الحوادث التي تفتك بالمعلمات والطالبات المنقولات ، فحسب دراسة نفذتها جامعة الإمام محمد بن سعود وصل عدد حوادث المعلمات إلى ( 6,2 حادثة لكل 100 معلمة منقولة بواسطة مركبة ) ، وفي حوادث الطالبات هناك ( 3,5 حوادث لكل 100طالبة منقولة بمركبة ) ؛ وفي دراسة أخرى بلغ مجموع أطوال الرحلات اليومية التي تقوم بها معلمات يدرسن خارج الرياض أكثر من ( 598026 كلم يومياً ) !! حوادث ومآسٍ يومية تصنعها أنظمة مهترئة ، وطرق تحتضر ، وسائقون قد يكون بعضهم مستهترين ، أو مدمنين ، أو من كبار السَن العاجزين ، يقودون سيارات بالية أو متهالكة !! يا هؤلاء رحمة بالمعلمات والطالبات اللائي ينتظرن الموت في كل لحظة من رحلات العذاب أين الحلول المنطقية : أين تفعيل برنامج لَمّ الشمل بالتنسيق مع مختلف المؤسسات الحكومية ، وتوفير سكن مناسب للمعلمات والطالبات المغتربات مجاني أو بأجور رمزية ، وفتح الاستثمار في ذلك للقطاع الخاص ؟! لماذا لا تنشأ شركات حكومية للنقل ذات مواصفات عالية ، ومركبات جديدة وآمنة ، وسائقين مدربين يخضعون للكشف الدوري ؟! ولماذا لا يُخفّف الجدول الدراسي للمعلمات المغتربات ؛ وبالتالي تَقُلّ أيام الدوام ، والسّفَر إلى ثلاثة أو أربعة أيام ؟! قضية الموت اليومي للمعلمات والطالبات المغتربات ، قضية إنسانية وطنية يجب إيجاد الحلول السريعة والقطعية لها ؛ فهل نحن فاعلون ؟! وأخيراً يا تُرى هل عادت أم محمد لصغيرها ؟َ! أم أنها رحلت ولم يبق منها إلا دفتر التحضير الذي تحرص عليه وزارة التربية !!ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .