نشرت مجلة التايم الشهيرة في عددها الصادر في 14 نوفمبر الماضي موضوعًا أحسبه مهمًا وشيقًا عن (لعبة التفضيل) بين الأبناء. وهذه القضية ليست جديدة بالطبع فهي شائعة لدى كثير من الثقافات البدائية التي تمارسها بالجملة، فالبعض مثلاً يفضل (الذكور) باستمرار على (الإناث)، ويعلنها صراحة ويترجمها إلى فعل أهوج لا يمتّ للعدل بصلة، ولا للمنطق بقربى، ولا للتمدن برابط. لكن المشكلة في العائلات المثقفة الواعية. في هذه العائلات التي يكرر الوالدان فيها باستمرار بأن لا أحد أفضل من أحد في قائمة الأبناء والبنات، فالكل عيون في رأس واحدة، وهم سواسية كأسنان المشط، لكن الحقيقة لا تغيب عن المستفيد منها ولا عن المتضرر. المستفيد يحاول إخفاءها وعدم إثارتها، بل التمتع بمزاياها، والآخر المتضرر يستنكرها حينًا آخر بالرغم من الإنكار المتواصل الذي يبديه الوالدان الكريمان. وفي دراسة علمية تمت في جامعة كاليفورنيا (فرع دافيس) استغرقت 3 سنوات شارك فيها 384 زوجًا من الأشقاء ووالديهم وأمهاتهم، وتمت بناء على زيارات ميدانية في بيوتهم، بإشراف باحثة من الجامعة سجلت فيها الملاحظات ووثقتها بالصوت والصورة عبر رحلة الحديث عن التضارب في المشاعر والاختلاف في المزاعم والتعارض بين إخفاء الحقيقة وإظهارها. وتبين للباحثة أن 65% من الأمهات و70% من الآباء يظهرون تفضيلا لأحد الأبناء (أو البنات)، وغالبًا ما يكون أكبرهم سنا. وحسب الباحثة، فإن هذه النسب أقل من الواقع لأن الوالدين يحاولان جهدهما إخفاء حقيقة تفضيل أحد أبنائهما على الآخرين. لكن عواقب هذه الممارسة قد لا تكون جيدة، فالطفل المدلل قد يشعر بالثقة والاعتزاز، لكن قد يتلبسه شيء من الرعونة والكبر. وأما المفضولين، فقد يتساءلون عما إذا كانوا فعلاً لا يستحقون الحب الذي ينعم به الطفل الذهبي..!! ولكنهم قد ينجحون في إنشاء علاقات حب وعطف خارج المنزل. ربما لا يستطيع العلم الحديث تفسير هذا التصرف الذي يبدو طبيعيًا لدى الوالدين باقترابه من السلوك الفطري لدى كثير من المخلوقات الأخرى التي تضحي كثيرًا منها بالمولود الأصغر في سبيل نجاة الأكبر! أم أنه مكتسب مقصود!