ما إن شاهدت غادة (5 سنوات) والدتها تعطي اللعبة لشقيقتها الصغرى حتى انقضت عليها نازعة اللعبة من بين يديها، على رغم أن لدى غادة لعبة مماثلة. ويذكر والدا غادة أن ابنتهما باتت تبدي تصرفات تنم عن غيرة شديدة. «كلما رأتني أحتضن أختها، تهرع نحوي طالبة مني أن افعل لها الأمر ذاته»، كما تقول أم غادة، مؤكدة أنها لا تفاضل بين أي من بنتيها، لكن وضع الصغرى يتطلب بعض العناية. وبحسب أستاذ مادة التحليل النفسي في جامعة صنعاء، عدنان الشرجبي، فإن الغيرة والنزوع إلى العنف من ابرز الآثار التي قد تنجم عن تفضيل احد الوالدين، أو كلاهما، لابن أو أكثر، على بقية الأبناء. ويقول الشرجبي إن الشعور بالغبن يتعمق عندما يأتي تفضيل الولد على البنت. ذلك أن الأدوار التي تعطيها ثقافتنا العامة لكل من الذكر والانثى، تضاعف من شعور البنت بالدونية، في حال شعرت بأنها تميَّز سلباً داخل أسرتها. وقد يؤدي التدليل الزائد للولد إلى فقد ثقته بنفسه والاتكال على الآخرين. وقد يصل الأمر بالمدلل إلى درجة أنه يتزوج وقد يتعامل مع زوجته باعتبارها أماً ويطالبها بالانفاق عليه. ويلفت الشرجبي إلى تمثيلات الثقافة السائدة المفضلة للذكورة، ومنها ان يكنى الرجل باسم ولده المفضل من قبيل «أبو صالح». وقليلة هي حالات التكني باسماء الاناث مثل «أبو سلمى». والحق أن القول باستحالة وجود مساواة مطلقة في تعامل الوالدين أو احدهما مع الأبناء لا يعني أن مفهوم التفضيل ثابت، بحيث قد يستقر على شخص معين في شكل دائم، بل هو يخضع لمتغيرات الزمن وللتحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية أيضاً. فلئن شاع في اليمن تفضيل الولد على البنت غير أن ثمة تغيراً بدأ يطرأ خصوصاً في المدن، وبات واضحاً أن العامل الاقتصادي صار ضمن معايير التفضيل. وفي مقابل ما يسميه الشرجبي بثقافة القوة وصد العدوان، حيث يفضَّّل الولد الذكر، باعتباره ذخراً لصد العدوان، فيما تُقرَن الانثى بالعيب وهتك السمعة الا ان مثل هذا ينحسر لمصلحة الابن الذي يمكن ان يشكل مورداً اقتصادياً للعائلة أكان ذكراً أم انثى. ويقول شاهر (55 سنة) إنه يفضل ابنته على بعض من أبنائه الذكور، لانها نجحت في تعليمها كما في حياتها العملية، في حين اخفق احد أبنائه في مواصلة تعليمه. وما زالت الطاعة والتفاني في خدمة الوالدين محدداً رئيساً، لدى كثير من اليمنيين، في تفضيل الابناء. وبحسب الشرجبي، فإن الأم عادة تميل الى تفضيل الذكر البكر من أولادها، في شكل يصل احياناً الى ما يشبه التملك. وثمة حكايات عن مشاكل تتسبب فيها الام لزوجة ولدها على خلفية الغيرة اللاواعية ربما. ويقول وعد (17 سنة) إنه حظي برعاية خاصة من والديه قياساً ببقية اشقائه. ولكنه نفى ان يكون شعر بغيرة او ضغينة نحو اخوته. وهناك من ترعرع في كنف بعض الاقارب يقول ايضاً انه لم يلمس من الاسرة انها تفضل ابناءها عليه. والحاصل ان الحزازات التي تنشأ بين الزوجين، قد تؤثر سلباً في رسم خريطة التفضيلات واستقطابات الابناء. وتذكر نجوى (40 سنة) ان صديقة لها تخلت عن اعتبار ابنها الاصغر المحبب الى قلبها، بعدما وشى بها عند والده، بأنها تدخن خفية. آثار التفضيل بين الابناء قد تبرز ايضاً بعد وفاة الوالدين، في صورة حزازات ونزاع بين الورثة. وبات حرمان البنات من الميراث واحداً من المشاكل في اليمن. ويبرز بشدة حين يكون للاب اكثر من زوجة، وعادة الزوج تفضيل الابناء من الزوجة الجديدة، خصوصاً اذا لم ينجب ذكوراً من الاولى. ويلفت الشرجبي الى التقدير العام للولد على حساب البنت. ويرى ان المجتمعات التي تسود فيها الثقافة الذكورية تضاعف من معاناة البنت.