يعد الدكتور مدحت حماد أكثر الخبراء العرب خبرة في مجال الدراسات الإيرانية وله العديد من الابحاث والدراسات على مدار عدة عقود وصاحب رؤية وقدرة على تحليل وتشخيص السياسة الإيرانية سواء في تفاعلاتها الداخلية أو تفاعلاتها الخارجية في المحيطين الإقليمي والدولى وعلى ضوء التوتر الحادث في منطقة الخليج وتداعيات السياسة الإيرانية التي باتت تمس الأمن القومي العربي في العمق وتنعكس سلبياً على مجمل استقرار وأمن منطقة الجوار الجغرافي لإيران بسبب مساعيها المستمرة لتغيير بنية الأنظمة في منطقة الخليج وقد تصل ارتدادات هذه السياسات الإيرانية إلى العمق العربي في مصر والسودان .. المدينة ناقشت كل معطيات السياسة الإيرانية مع الدكتور مدحت حماد الذي غاص وأفاض في تحليلاته لها فإلى الحوار: * كيف تقرأ المشهد في منطقة الخليج الآن؟ ** دعنى أستعيد بعض من كلمات المفكر الكبير محمد حسنين هيكل بخصوص إيران وأقول الخليج الآن فوق بركان وهذا البركان حوله مجموعة من البراكين الصغرى تشكل دائرة الفعل ورد الفعل في المنطقة ومركز البركان هو مضيق هرمز ودولة البحرين في هذا التوقيت، وأعتقد أن امتدادات هذا البركان قد تضرب كل دول منطقة المشرق العربي وربما تمتد من قناة السويس إلى طنجة ومن سوريا في الشمال إلى أفغانستان في الشرق. * كيف تقيم الاتهامات الإيرانية لدول الخليج بأنها تلعب بالنار؟ ** الحقيقة أن إيران هى التى تلعب بالنار في منطقة الخليج.. إيران هى التي تتدخل بشكل سافر ومتكرر في دولة البحرين ويحضرني هنا تصريحات رئيس تحرير جريدة» كيهان» الإيرانية شريعة مداري عندما قال إن البحرين هي إحدى محافظات إيران المنسية ويجب استعادتها وأعقبها زيارة الرئيس الإيرانى أحمدي نجاد للبحرين وقدم اعتذاراً ضمنياً للسلطات البحرينية ولكن الزيارة لم تمنع من معاودة إيران تدخلها في البحرين، إذن إيران هي من تلعب بالنار وتؤجج المنطقة لأسباب معلومة، أما فيما يخص المملكة ودورها الداعم للسلطة الشرعية في البحرين فإن وجود قوات سعودية ضمن قوات درع الجزيرة هو وجود طبيعي ومنطقي يفرضه الواقع الخاص بعلاقات البحرين والمملكة الأبدية سواء العلاقات الثنائية أو العلاقات بين البلدين تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، وأتصور أن الدعم السعودي لمملكة البحرين ينطلق من منظور ثقافي وسياسي واقتصادي ومرتبط بالتلازم الطبيعي بين البلدين فالمملكة هى العمق الاستراتيجي للبحرين وهي الأخ الشرعي للبحرين وما يفصل بينهما لا يزيد عن 26 كيلو مترًا ويربطهما جسر الملك. * قضية التجسس الإيراني على الكويت؟ هل عرضية أم تتعلق بإستراتجية إيران؟ ** أرى أن اليمن والبحرين والكويت ثلاث محطات مهمة من وجهة نظر السياسة الاستراتجية الإيرانية للقفز إلى المملكة العربية السعودية، إيران تريد أن تقفز على المملكة من الشمال عبر اختراق الكويت ومن الوسط عبر البحرين ومن الجنوب عبر اليمن، هذا القوس الإيراني المتمثل في المحطات الثلاث التي تشهد تحركات إيرانية مشبوهة داخلها تؤكد أن إيران تريد أن تجعل المملكة بين فكي كماشة الطرف الأول في المحطات الثلاثة السابقة والطرف الثانى عبر فلسطين (حماس) ولبنان (حزب الله) وسوريا حيث تتحرك فيهم السياسة الإيرانية بمهارة وبخطوط ناعمة لتلتف حول ما يسمى بالمحور السني الذى يضم المملكة ومصر والأردن، الخلاصة لا يمكن أن نصدق ما تقوله إيران بأنها تحترم علاقاتها مع دول الجوار الخليجي وأن هذه العلاقة هي علاقة أخوة وأنا أراها أقرب إلى مفهوم الإخوة الأعداء. * هل ما يحدث من إيران سياسة عرضية أم رؤية استراتيجية؟ ** أستطيع أن أجزم أن ما تقوم به إيران الآن عبر محاورها المختلفة في المنطقة هو تطبيق حرفي لخطة إيرانية وضعت عام 2003 وتسمى بالخطة العشرينية لتنمية إيران وحددت سياسات إيران حتى عام 2024، هذه الخطة وضعها مجمع تشخيص مصلحة النظام برئاسة هاشمي رفسجاني وصدق عليها المرشد العام على خامئني، وتهدف الخطة إلى تحقيق عدد من الأهداف الاستراتنجية لإيران على المستويين الداخلي والخارجي فعلى المستوى الداخلي حددت الخطة الأهداف التى يجب الوصول لها خلال المدى الزمني المحدد منها الوصول بمتوسط دخل الفرد في إيران إلى أعلى مستوى دخل فرد ممكن بين دول المنطقة، وأن تمتلك إيران التكنولوجيا النووية من الألف إلى الياء وعلى أن تتمكن إيران من تصدير هذه التكنولوجيا إلى بقية دول العالم وأن حدوث ذلك سوف يجعل إيران شريكًا أساسيًا للدول الكبرى أعضاء النادي النووي الدولي، أيضًا أن تمتلك إيران برنامجًا فضائيًا يعتمد على القدرات الذاتية الإيرانية وهو ما أراه أنا قد تحقق بنسبة 50% من البرنامج الفضائي الإيراني وأتوقع أن تتحقق النسبة الباقية خلال السنوات العشر القادمة ويعزز ما أقول ما جاء على لسان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في تصريحاته في أغسطس الماضي عندما فرضت دول أوروبية الحزمة الرابعة من العقوبات الدولية على إيران بقرار مجلس الامن رقم 1929 يومها أعلن نجاد أن إيران سوف تقوم بإرسال رواد فضاء في العام 2018 بدلاً مما كان مقرراً أن يتم الارسال لرواد الفضاء الإيرانيين عام 2024، وأعتقد أن هذا تحول خطير جدًا في البرنامج الفضائي الإيراني ويكشف عمق وجوهر البرنامج الإيراني الذي يمكن لإيران من خلال إنجازه أن تمتلك الصواريخ عابرة القارات وهو الهدف الأساسي للبرنامج الفضائي الإيراني، وهناك قاعدة علمية أن من يستطيع أن يصل إلى الفضاء يستطيع أن يمتلك صواريخ عابرة للقارات في أقل من عام. * ماذا تضمنت الخطة العشرينية على المستوى الإقليمي؟ ** على المستوى الإقليمي أرى أن هذه السياسة وضعت قواعد أساسية بأن تكون إيران اللاعب الأول ولها الكلمة الأولى في قضايا المنطقة والمفتاح الرئيسي لحل كل قضايا المنطقة، باختصار تريد هذه الاستراتجية أن تكون إيران النموذج الإقليمي الذى يجب أن تحتذى به وتسير خلفه باقي دول المنطقة، أما على المستوى الدولي فقد أقرت الاستراتيجية مساعي إيران أن تكون شريكًا دوليًا فاعلاً للقوى الكبرى، وهذا ما يجسده بوضوح الرد الإيراني عام 2008 عندما ردت إيران على سلسلة حوافز دولية مقدمة لها من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لوقف برنامج تخصيب اليورانيوم بعرض إيراني مضاد يتضمن سلسة حوافز للغرب يسمح لإيران أن تكون اللاعب الرئيسي في المنطقة وجزء هام من أدوات حل قضايا المنطقة بدلاً من أن تكون جزءًا من المشكلة، ويحضرني هنا تصريح الرئيس أحمدي نجاد الذى رد به على سلسلة حوافز الغرب قائلاً: كيف نقايض الذهب بقطع الجاتوه في إشارة إلى أن الذهب هو تخصيب اليوارنيوم والجاتوه هو حوافز الغرب لإيران والتى شملت إعادة تحديث سلاح الجو الإيراني وضخ استثمارات غربية لإيران ورفض نجاد يرجع إلى قناعته بأن امتلاك إيران تكنولوجيا التخصيب سوف يجبر الغرب على تنفيذ كل طلباتها. * ماذا تريد إيران من الغرب؟ ** السياسة الإيرانية تريد إجبار الغرب على القبول بإيران بأن تكون عنصرًا رئيسيًّا في حل كافة مشاكل الشرق الأوسط وغرب آسيا وأن تشارك وتساهم في حل المشاكل الاقتصادية في أمريكا اللاتينية، كما تريد إيران أن تحصل على العضوية الدائمة بمجلس الأمن هذه المحاور الأساسية لسياسة إيران الخارجية خلال الخطة العشرينية وهي تمثل تهديدًا حقيقيًّا ومباشرًا للمنطقة وتؤكد أن ما تنفذه إيران الآن في الخليج ومناطق أخرى مشروع استراتيجي مصدق عليه من رأس نظام الملالي في إيران برئاسة المرشد الأعلى علي خامئني، وخلاصة القول في تقديري أن الخطة العشرينية في إيران تشبه في قناعتى بروتكولات حكماء صهيون مع اختلاف المشبه والمشبه به. * كيف تواجه الدول العربية المشروع الإيراني؟ ** على الدول العربية أن تتبنى أفكارًا استراتيجية غير تقليدية لمواجهة السياسة الإيرانية وأن تنقل الكرة إلى داخل الملعب الإيراني ولا يجب أن ننتظر أن يحدث في البحرين وشرق المملكة ما حدث في العراق وإحكام الشيعة لقبضتهم على الحكم هناك.