تبنت وزارة العمل سلسلة من البرامج التي تهدف إلى تحفيز عملية توطين الوظائف متمثلة في برنامج نطاقات، وحافز، وتأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، جهود ملموسة تشكر عليها وزارة العمل والقائمين على تلك البرامج التي تنصب في معالجة مشاكل البطالة بطريقة عملية مدروسة وحديثة.. وفي هذا السياق راعى اهتمامي ما قرأته مؤخرا أن سلطنة عمان أصدرت منذ فترة تشريعاً بمنع العمالة الأجنبية من كافة الجنسيات من مزاولة العمل في الميني ماركت والبقالات الصغيرة واقتصار امتلاكها والعمل بها على مواطني السلطنة، وأنها أكملت تنفيذ هذا البرنامج بنجاح.. وفي بلادنا الغالية المترامية الأطراف نجد أن جل مثل هذه النشاطات التجارية وخلافها في حوزة فئات من العمالة الآسيوية من حيث الامتلاك الفعلي والتشغيل والإدارة، في الوقت الذي تشكل فيه هذه الأعمال التجارية أكثر من 65% من حجم سوق تجزئة المواد الغذائية والاستهلاكية وبمعدل صافي ربح ما بين (15% 20%) وذلك حسبما ذكره لي أحد رجال الأعمال البارزين في هذا المجال، ولك أن تتخيل حجم الأموال الضخمة التي تدرها تجارة التجزئة في بلد استهلاكي من الطراز الأول كبلدنا والتي تصل إلى مليارات الريالات تحوّل من قبل هذه الفئات أولاً بأول إلى أوطانهم مما يعد خسارة فادحة للاقتصاد الوطني، أوليس أولى أن يقوم بها أبناء هذا الوطن فيكون مردودها مفيداً على المواطن والوطن من حيث استيعاب أعداد ضخمة في مثل هذه النشاطات وبما يساهم في خفض ملموس لنسبة البطالة من جهة، ويضمن دوران هذه الأموال في الداخل مما يساهم في دفع عجلة النمو والانتعاش الاقتصادي من جهة أخرى؟! الحقيقة لابد أن تُقال بأن الدولة دأبت منذ أكثر من ثلاثين عاماً على محاربة ظاهرة التستر وحذرت من عواقبها وسنت الكثير من الإجراءات والعقوبات للحد من هذه الظاهرة، ولكن وبالرغم من ذلك فإن هذه الظاهرة انتشرت واتسعت رقعتها ونشاطاتها، وأقولها وبكل أسف بأن بعض المواطنين يتحملون مسؤولية جزء كبير من تفشى هذه الظاهرة من خلال السماح لأنفسهم بأن يكونوا واجهات وهمية لهؤلاء، والذين غدوا في وقتنا الحاضر يشكلون تكتلات وجماعات هدفها الاستحواذ على مجمل النشاطات الصغيرة والمتوسطة مقابل حفنة قليلة من الريالات لضعاف النفوس.. ظاهرة سيئة تتعارض مع تعاليم الدين والقيم والأخلاق، بل قد ترتقي إلى مستوى الجريمة، فهي ليست حكراً على البقالات ومراكز التموين، بل امتدت لتشمل أنشطة ومجالات مختلفة يلحظها الشاطر أثناء تجواله في أي شارع من شوارع وطننا الحبيب. أعتقد أن خطوة سلطنة عمان كانت جريئة وذكية من خلال اقتصار العمل بهذه النشاطات على مواطنيها، لأن من شأن هذه الخطوة بالإضافة إلى فتح مجالات العمل لأبنائها أن تقلص أيضاً ملكية هذه الفئات وبشكل كبير لهذه الأعمال بحكم نفورها الطبيعي من تواجد عنصر غريب ومؤثر داخل المنظومة الرئيسية لأعمالها. الموضوع يحتاج إلى دراسة وافية وشاملة ولكن بصورة عاجلة من قبل جهات الاختصاص (الداخلية، العمل، التجارة) لوضع خطة إستراتيجية للتعامل مع هذه المعضلة وبما يكفل القضاء على هذه الظاهرة المنهكة لاقتصاد الوطن وفرص المواطن، ولكن لضمان نجاح أي خطوة لن تتردد الدولة في تنفيذها، لابد وأن تستيقظ الضمائر من أجل مصلحة الوطن والمواطن.