أوضح عدد من الاقتصاديين أن حجم الاقتصاد الخفي “الأنشطة غير المسجلة” في المملكة بدأ يتوسع في الفترة الأخيرة لكن لا توجد إحصاءات محددة تشير لحجمها، مستندين في ذلك إلى زيادة عمليات التستر، والاتجار بالإقامات، والدخول المكتسبة بواسطة العمالة الوافدة بلا اقامات رسمية، وأدرج عدد من المختصين عمل النساء وإنتاجهن من المنازل ضمن أنشطة الاقتصاد “الموازي”، التي انتعشت بشكل كبيرة في السنوات العشر الأخيرة، وهي بدورها ظاهرة مضرة بالاقتصاد الوطني بشكل سلبي، فجميع الدخول التي تتحقق من الأنشطة السابقة تعتبر غير مسجلة في الحسابات القومية للدول (الناتج القومي)، ومن ثم يصعب الوصول إلى أرقام حقيقية عن حجمها أو مقاديرها باعتبارها أنشطة تدرج ضمن أنشطة الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد السفلي (Under ground). الاقتصاد الموازي والخفي ويعرّف الدكتور سعود المطير “أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية” مفهوم الاقتصاد الموازي بأنه جميع الأنشطة غير المسجلة في حسابات الناتج القومي الإجمالي، وأمثلتها تتركز في الأنشطة المشروعة ولكنها غير مسجلة في الحسابات الرسمية مثل دخول الباعة المتجولين، وأعمال النساء في المنازل، وفي الحقول لمساعدة الأزواج، والدخول الناتجة عن أعمال إضافية لبعض الوقت بدون موافقات رسمية من جهة العمل، مثل التدريس الخصوصي، والتستر على العمالة.وأضاف: أيضا الأنشطة غير المشروعة والممنوعة عالميا كالاتجار بالمخدرات، وغسيل الأموال المكتسبة من أنشطة ممنوعة كبيع المخدرات، والمكتسبات مقابل التزوير، ودخل الرشوة وسرقة المال العام والخاص، وغير ذلك من أعمال الفساد الإداري، التي تعد من أشكال الاقتصاد الخفي. وعن مدى انتشاره في المملكة ونسبته من إجمالي الاقتصاد الكلي، يقول: نظرًا لأن الدخول كافة التي تتحقق من الأنشطة غير المشروعة أو المشروعة تعد غير مسجلة في الحسابات القومية للدول، ومن ثم يصعب الوصول إلى أرقام حقيقية عن حجمها باعتبارها أنشطة تدرج ضمن أنشطة الاقتصاد الخفي، ولكن المملكة يتوسع فيها حجم الاقتصاد الخفي من خلال عمليات التستر، والاتجار بالإقامات، والدخول المكتسبة بواسطة العمالة الوافدة بلا إقامات رسمية. معدلات البطالة ويضيف: أن تزايد حجم الاقتصاد الخفي يؤدي إلى انخفاض حجم الناتج القومي الإجمالي وإلى تزايد معدلات البطالة الرسمية، وإن كان بعض منهم يعمل في الحقيقة ضمن نشاطات الاقتصاد الخفي، مما يؤثر على الاقتصاد الموازي ومن ثم على الناتج القومي الإجمالي. ويشير د. المطير إلى أن الأسباب التي تجعل الناس يلجأون للعمل في أنشطة الظل (الاقتصاد الموازي) أهمها يكون ارتفاع معدلات الضريبة في الدول التى تفرضها، وهذا يؤدي إلى تزايد حجم الأنشطة الاقتصادية المشروعة ولكن غير المسجلة رسميا. وحول السبل الكفيلة للحد من خطورة هذه الظاهرة، يوضح د.سعود، أنه بالنسبة للقسم المشروع فيمكن الحد منه من خلال تسهيل عمليات وإجراءات التسجيل الرسمي، وتخفيف رسوم التسجيل، وتخفيف معدلات الضريبة. أما بالنسبة للقسم غير المشروع فيجب تكثيف أساليب الرقابة ووضع العقوبات الرادعة لمثل هذه الأعمال الضارة بالمجتمع، إلى جانب أن عدم وجود ضرائب يحد من وجود الأنشطة المشروعة، ولكن تعقيد الروتين لعمليات التسجيل النظامي تعد عائقًا وسببًا لوجود مثل هذا النوع من الأنشطة المشروعة وغير المسجلة. أما الأنشطة غير المشروعة، التي يحاربها ديننا الحنيف، فإن تطبيق القوانين والقواعد الإسلامية كفيل بالحد من هذه الأنشطة المحرمة. ويرى أهمية تسهيل عمليات التسجيل الرسمي والابتعاد عن التعقيدات الروتينية كفيل بالحد من الأنشطة الاقتصادية المشروعة وغير المسجلة، مشيرًا إلى أن التوعية الشرعية بمخاطر مثل هذه الأعمال الضارة والمحرمة وتطبيق العقوبات الشرعية لمن يتعاطى الأنشطة المحظورة سيقلل من انتشارها وتفشيها. المعاملات النقدية أما الخبير الاقتصادي عبدالحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودية، فيري أن الاقتصاد الخفي هو على جزء من الاقتصاد الكلي، الذي يشمل -بالإضافة إلى الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة- أشكال الدخل كافّة، التي لا يُعبّر عنها رسميًا، التي يتم تحصيلها من إنتاج السلع والخدمات المشروعة، سواءً كانت من المعاملات النقدية أو المعاملات التي تتم بنظام المقايضة. ويمكن القول أن أغلب أنشطته مشتقة من الأنشطة التقليدية المتعارف عليها في الاقتصاد الكلي؛ غير أنها تتم بعيدًا عن دوائر الرقابة والمتابعة والإحصاءات الرسمية، أي أنها تتم بصورةٍ غير شرعية! ولهذا فهي تشمل تجارة التجزئة والسلع الاستهلاكية التقليدية “غير المعمرة”، وعمليات التجارة المرتبطة ببيع الفواكه والخضار والسلع الزراعية، كما تشمل المتاجرة بالذهب والأحجار الكريمة، وتجارة المواشي، وتجارة السلع المعمرة، إضافةً إلى الأنشطة المرتبطة بقطاع البناء والتشييد، وقطاع الخدمات كالدعاية والإعلان، وامتدت حتى قطاع الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، وتسويق وبيع برامج الحاسب الآلي ونسخها بصورٍ غير مشروعة. كما يجدر ذكره هنا أن مخالفات التستر الواسعة الانتشار في الكثير من أنشطة البقالات والمحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة كمحلات الحلاقة والسباكة والصيانة الكهربائية والخياطة وغيرها من الكثير من الأنشطة التجارية الفردية، التي لا تتطلب مهاراتٍ عالية، التي تمتد عبر أرجاء المدن والقرى في السعودية طولًا وعرضًا. صندوق النقد ويقدر عبدالحميد مدى انتشار الاقتصاد الخفي في المملكة ونسبته من إجمالي الاقتصاد الكلي أنه تم تقديره من قبل صندوق النقد الدولي خلال الفترة 1988-2000 عبر عينة إحصائية تضم 84 بلدًا حسب ما يلي: في البلدان النامية شكّل اقتصاد الظل كنسبة ما بين 35 و44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان، وفي بلدان التحول الاقتصادي شكّل كنسبة بين 21 و30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان، وأخيرًا في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ما بين 14 و16 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان. وفي السعودية كونها بلدًا ناميًا يُقدّر أنه يتراوح بين 34 و44 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، على أنه يجب الإشارة إلى القصور الواضح من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط في عدم تغطيتها بالدراسة والبحث والتقصّي في الكشف عن مخاطر وحجم هذا الاقتصاد الخفي في المملكة، ويزداد الأمر أهمية وحساسية حالما تتأكد لدينا الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة (تحديدًا غير الماهرة). ويشير العمري إلى أن خطورته الرئيسة تكمن في اتساع نشاطات الاقتصاد الموازي (اقتصاد الظل) بصورةٍ عامة؛ في أنه كلما زاد نموه وتوسّع نطاقه، زادت إمكانية اجتذابه لمدخلات الإنتاج الاقتصاد الرسمي بشكلٍ تدريجي، وهذا بدوره السلبي جدًا سيؤدي إلى إضعاف معدل نمو الاقتصاد الرسمي. وفيما يتعلق بالاقتصاد السعودي فبالإضافة إلى الخطر العام المذكور أعلاه، يُضاف إليه ايضا تعطيل وإفشال سياسات السعودة، ومن ثم زيادة معدلات البطالة بين صفوف المواطنين والمواطنات. وزيادة التسرب الاقتصادي في السعودية؛ بسبب ارتفاع حجم التحويلات المالية إلى الخارج من قبل تلك العمالة المخالفة للأنظمة، وللتعرف على خطورة هذا الأثر ماذا يمكن أن يُقال أمام حجم من التحويلات عبر القنوات الرسمية فقط وصل إلى 1.2 تريليون ريال خلال العقدين الماضيين، وتضييق الخناق على المدخرات الوطنية، وتقليص الفرص والمجالات الاستثمارية المتاحة والمطلوبة لتتحول إلى استثمارات يتم توظيفها في خدمة الاقتصاد والوطن. ويوضح العمري، أن أهم الأسباب التي تجعل الناس يلجأون للعمل في أنشطة الظل (الاقتصاد الموازي) هي بالنسبة للمواطنين تتمثل في انعدام توافر فرص العمل أمامهم. أما بالنسبة للعمالة الوافدة فالأسباب بالطبع أكثر وتختلف عن حالة المواطنين، إلا أنها تلتقي عند هدفٍ نهائي واحد؛ إذ تحاول كسب أكبر قدرٍ ممكن من الأموال في أقصر وقت بأي وسيلة متاحة، سواءً كانت مشروعة أم غير مشروعة. ويضيف: ليست القوانين أو الأنظمة التي تساهم في اتساع دوائر هذه الآفة الاقتصادية المستترة، إنما القصور الكبير أحيانًا في تطبيقها ومتابعة تنفيذها هنا مكمن الخلل، ومن هنا يبدأ الحل.