في مقال له في صحيفة الشرق الأوسط نشر الدكتور حمد الماجد مقالا عن موقف السلفيين المنتظر من الحكومات التي يتزعمها الإخوان المسلمون، واقتصر الدكتور حمد في مقاله على طرح أسئلة مختلفة الصياغات ولكنها لا تخرج عن مدلول واحد، وهو: هل سيقف السلفيون من الحكومات التي يتزعمها الإخوان المسلمون موقفهم من تلك الحكومات التي أسقطها أو سوف يسقطها الربيع العربي من الطاعة بالمعروف وتحريم الخروج والالتزام بالبيعة؟ ولم يقدم الدكتور حمد أي جواب لما طرحه من أسئلة مع يقيني أن الجواب لا يعزب عنه باعتباره سلفيا ابن سلفي ابن سلفي تربى في مجتمع سلفي ودرس وصاحب وصادق ولازم مشايخ سلفيين ولم يعرف عنه يومًا ما تبرمه من هذا الانتساب أو هذا المنهج الفكري، هذا ما أعلمه عنه. لكنه آثر فيما يبدو لي إلقاء الحجر في الماء بُغية أن يقوم المتخصصون من إخوانه بمناقشة القضية بصوت عالٍ مساهمة منه في إيضاح أبعاد الفكر السلفي في وقت كثر فيه شاكوه وقل شاكروه. وحسنًا فعل جزاه الله خيرًا، وإني لأرجو أن يتفاعل الشرعيون من أبناء المنهج السلفي مع مقالته تلك ليوضحوا للناس كثيرًا مما يختبئ اليوم تحت ركام آلاف المقالات والتسجيلات ووراء عشرات الأصوات التي لم يعد بمقدور الإنسان تمييز بعضها من بعض ولا معرفة ما تقول. وفي هذه المقالة أحب أن أشارك من جهتي في شيء من الجواب مع إقراري أنني لست الأول وشكري الجزيل لمن تقدمني وأفدت منه. وأبدأ بإيضاح أن فكرة طاعة ولي الأمر وحرمة الخروج عليه ليست فكرة حديثة أو سلفية مُسيسة كما يتوهم البعض أو خاصة بالمنهج السلفي دون غيره من مناهج التلقي لدى المسلمين. بل هي مسألة إجماع بين المسلمين لا تختلف فيها المذاهب الأربعة ولا غيرها، وليس هذا المقال محل سرد نصوص الشريعة ونصوص الأئمة في ذلك فقد ألفت فيه كتب خاصة. بل إن أكثر الجماعات المسلحة والتي تُشَرِّع الخروج اليوم على ولاة الأمور لا تستطيع أن تنكر النصوص في ذلك أو الإجماع ولهذا يعمدون إلى تأويل تلك النصوص أو تنزيلها على غير الحكام في عصرنا الحاضر باعتبارات شتى يطول نقاشها. أما القول بجواز الخروج والاستدلال له بالسنة النبوية فهو قول مُحدَث اضطُرَّ أصحابُه إلى قلب كثيرٍ من مُسَلَّمات المسلمين في منهج التلقي دون أي دليل كالتشكيك في صحيحي البخاري ومسلم واتهام علماء السلف بممالأة السلاطين واتهام الدولتين الأموية والعباسية بالتدخل في صياغة الأحاديث أو الأقوال الفقهية. إذًا. فتخصيص السلفيين بالقول بلزوم طاعة ولاة الجور أمر بعيد عن الصحة ولا يقدح فيه كون الأهواء اليوم على خلافه فإن الصواب لا يُعارض بالهوى. وبعد هذا التقرير فإنني لا أنكر من خلال متابعتي لما يُطرَحُ في الساحة: أن بعض السلفيين غلا في هذا المنهج في الجانب العملي وإن كان من الناحية النظرية يُنكر ذلك. ومن ذلك أن بعضهم وهم قلة ولله الحمد حرَّم الخروج على الحاكم الكافر كفرًا بواحًا كما حرَّم جهاد المحتل، وأطلق لفظ مصطلح ولي الأمر على من يمنع الصلاة ويحاسب المحافظين عليها من شعبه ويُنكرُ تطبيق الشريعة إنكارًا مطلقًا من غير تأويلٍ أو عجز. كما وُجد من بعضهم المُبالغة في قياس الخروج باللسان على الخروج بالسيف حتى جعلوا الخارج بلسانه يستحق العقوبة نفسها التي يستحقها الخارج بسيفه. كما وصلت مُبالغتهم إلى تسمية كل أنواع النصح العلني خروجًا، ولهذا أطلقوا ألسنتهم في تبديع كل من انتقد أحوال الأمة بأي نوع من النقد إذا كان شيخا أو طالب علم شرعي، وسكتوا عما يكتبه الصحفيون والمنظرون الليبراليين من نقد لإدارة المرافق العامة وغيرها في كل دول العالم الإسلامي. وهذا الصنف من السلفيين وإن كانوا قليلا إلا أنهم في بعض البلاد الإسلامية يشكلون النسبة الغالبة على التيار السلفي، وتبلورت من خلالهم صورة السلفية في بعض الذهنيات التي يكتب أصحابها باسم الجماعات الإسلامية، فأتت كتاباتهم دائما محملة بمحاولة الثأر من السلفية التي لم تترك أحدًا إلا وفسقته ولا أحدًا إلا وبدعته. لكن هذا التوجه السلفي وإن كنت أنا شخصيًا أحترم فيه عددًا من النواحي الإيجابية إلا أنه لا ينبغي أن يُتَخذ المعيار أو الصورة التي يجب أن يُقاس السلفيون من خلالها. أتوقف هاهنا وفي الجزء التالي من المقال سوف أتحدث عن الإخوان وكيف سيكون موقف السلفيين بجميع أطيافهم منهم إذا استلموا مقاليد الحكم في بلاد الربيع العربي.