(بطاقة شُكر ثانيَة: لفتاةٍ أعرفها ولا أعرفها تُدعى (ريما نواوي)، عرفتها عن طريق الإنسان «نجيب الزّامل». ريما مصابةٌ بداء الرحمة منذُ أكثر من تسع سنوات ولا زالت - شفاها الله وحدهُ القادر على ذلك -، إلى وقتٍ قريب كانت تتحدّث إلينا في تويتر من الصّين، الآن هي عند أهلها في مكّة المكرّمة، أشكُرها وأُهَنّئها على بَحْرُ التفاؤل وعُمق الإيمان وعلى تلك العيادة النفسيّة «المعنويّة» التي فتحتها لكُلّ يائس وبائسٍ ينظر لحياته من خلال «ثُقْب»، باختصار: تابعوها.. لتستصغروا أنفسكم).. هذه بطاقتي عن تلك الإنسانة العظيمة في عيد الفطر الماضي، فهل لبّيتُم الدعوة وتعلمتم منها في حياتها ما لن تتعلموه من سواها؟! هنيئاً لمن فعل ورتَق شقوق وتصدّعات روحه، هنيئاً لمن فعل وحمد الله بخلايا طاهرة ونظيفة وغير ملوّثة بالكربون، هنيئاً لمن فعل وأنعش الأمل من منبع الألم، هنيئاً لمن فعل وكان مزهوّاً بنفسه لأيّ سببٍ كان ليشعُر بأنّهُ مجرّد نقطة صغيرة ويشعر بالسعادة جرّاء ذلك الشعور؛ هنيئاً لمن فعل واصطحب عيادته النفسيّة في جيبه عبر هاتفه المحمول بدون مواعيد أو واسطة أو طابور انتظار طويل ليكون أحد المرتادين لعيادة الفقيدة ريما، فأي عظمةٍ تلك التي تجعل من جسمٍ غضٍّ أنهكه السرطان طوال عشر سنوات طبيباً؟! إنّها الروح التي لا تمرض وإن تفتّت الجسَد وتجسّد في فُتَات فتَاة، تلك التي عِلمُها من أمر ربّي، تلك التي جعلت الآلاف ينتقلون من مكّة إلى الصّين إن ذهبت ريما إلى الصّين ويعودون إلى مكّة متى ما عادت وِفقاً لمواعيدها، طاقةٌ هائلة من التفاؤل والإيمان لا يمكن لقلمي المتواضع ولا لقلم أكبر أديب على وجه الأرض أن يُترجمها على ورقة! ما أكتبهُ هو محاولةٌ تعيسة لبعض البوح فقط عن حياتها وأثرها وتأثيرها وأثيرها على النّاس؛ ولكن لا تقلقوا فلا زالت الفرصة متاحة للتعلّم في مدرسة هذه الوردة التي صعدت إلى (أرحم الراحمين) وبقي عطرها الطّاهر في الأرض يعطّر المكان ويحكي قصّة إنسانة صنعت من الآلام آمالاً - ومن المعاناة وقوداً إيمانيّاً لا ينضب، نعم تعلّموا من (ريما) في رحيلها ما لم تتعلّموه منها في حياتها، ما الذي جعل كل هذه الأعداد الهائلة من البشر تجتمع على حبّ فتاةٍ لا يعرفها الغالبيّة منهم إلاّ إلكترونيّاً؟! ما الذي جعل ذلك الفضاء ينقلب مأتماً وعزاءً ودعواتٍ يوم الجمعة الماضية لتهمّش في لحظةٍ واحدة كل الأخبار وكل الحكايات التي كانت قبل إعلان رحيل (ريما) أخباراً في الواجهة؟! - ريما لم تكن توزّع مالاً على كل هؤلاء النّاس، لم تكن واسطةً لأحد ليحتاجها البُسطاء في (تدبير وظيفة) أو إيجاد (سرير) في مستشفى، أيضاً لم تكن شخصيّةً مشهورةً في أيّ مجال.. شخصيّةٌ صنعت لها قناعاً أمام الكاميرات ليزداد معجبوها، لا تقولوا لي بأنّ كلّ هؤلاء النّاس كانوا متعاطفين معها لمرضها فهناك آلاف المرضى لا أحد حولهم؛ كل ما في الأمر أنّ السرّ يكمن في (ريما نواوي) - فقد كانت نواةً تتفجّر منها طاقات الأمل والتفاؤل وحبّ الحياة والخير للنّاس أجمعين - يأتي إليها الواحد متعاطفاً معها ويخرج متعاطفاً مع نفسه، هذا كل ما تملكهُ ريما، هذا كل ما منحتهُ للناس. فهلاّ تعلّمنا بأننا نَسعَد بقدر ما نُسعد الناس من حولنا، ونستوطن قلوبهم بقدر ما تصبح قلوبنا موطناً للحُبّ والخير والسلام لا موطناً للحقد والحسد وعاهات النفوس البشريّة الأخرى، وبأنّنا نبقى بعد رحيلنا بقدر ما نؤثّر في هذا العالم.. في حياتنا؟! ... رحمكِ الله يا طيّبَة وعظّم أجر أهلَكِ وأجرنا بفقدكِ؛ وعوّضكِ داراً لا أوبئة ولا ألَم ولا شقاء فيها؛ فقد تعلّمنا منكِ.. أضعاف ما تألّمنا معكِ.