الحمد لله الباقي الدائم، أمره نافذ، لا يرجى إلا نفعه، أحمده سبحانه وتعالى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله. هل نسي الإنسان أنه مسافر في هذه الدنيا، وأن سفره محدود وموقوف يبتدئ أوله بمهده وينتهي آخره بلحده، وأن مطيته في السفر إنما هو العمر، وزاده إنما هو العمل، ودليله الدين ومراحله ومحطاته هي السنون والأعوام، وبيته الذي ستبدل فيه ويصير إنما هو القبر والفناء؟!؟ ونحن الآن نستقبل عام جديد ولا أدري ما يُفعل بي ولا بكم، ولو تأملتم قليلاً لعلمتم أن في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان معكم في المسجد أناس يُصلون، وبجواركم في البيت يسكنون، وكانت لهم آمال كآمالكم، وأحلام كأحلامكم ولكن وقف القضاء دون تحقيقها، وحال بينهم وبين ما يشتهون، وهجم عليهم الموت بغتة وهم لا يشعرون، وهم الآن رهن أعمالهم تحت التراب، ولا يدري أحد منّا متى يُدركه الموت. فكم ضاحك والمنايا فوق هامته، ولو كان يعلم غيبًا مات من كمدٍ، يا نائم الليل مسرورًا بأوله، إن الحوادث قد يطرقن أسحار. استدركوا ما فات بالتوبة النصوح، واستقبلوا ما بقي من العمر بالعمل الصالح معشر المسلمين، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: (أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم إن المؤمن بين مخافتين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه؟ فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشيبة قبل الهرم ومن الحياة قبل الموت). وقد كان السلف يخافون من الذنوب.. ولقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفًا من الذنوب فأخذ تبنه من الأرض وقال الذنوب أهون من هذه وإنما أبكى خوفًا من سوء الخاتمة، يا عباد لله أعاذنا الله منها، لا تكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، ما سمع بهذا أحد ولا علم به إنما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم، ربما غلب ذلك عليه حتى نزل به الموت قبل التوبة، ومن سوء الخاتمة أيضًا الانكباب على الدنيا والحرص عليها والإعراض عن الآخرة مثل الذي لا تنفعه التذكرة ولا الموعظة، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، نسأل الله أن يحسن الخاتمة لنا وللمسلمين.. اتقوا الله واستقبلوا عامكم الهجري الجديد بالتوبة النصوح، وإياكم والتسويف في التوبة فربما لا يكون في العمر عام آخر، فتأسفون وتندمون، وحاسبوا أنفسكم فما كان من خير فزيدوا فيه، وما كان من شر فاقطعوا عنه، فرحم الله عبدًا طهر قلبه من الحقد والحسد والرياء وعبد أتاه الله اليقين فتاب توبة نصوحا.. وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عبدالرحمن محمد شفيع – مكة المكرمة