من لطف رحمة الله وكرمه أن جعل صفة التائبين هي الصفة الأولى في الصفات التي جعلها الله سبحانه سمات للأنفس التي تستحق أن يشتريها الله سبحانه ويعطي المؤمن مقابلها الجنة , فلو اشترط الله سبحانه عدم الوقوع في الذنوب لامتلأت قلوب المؤمنين حسرة وألما , إذ أننا كلنا واقعون في الذنوب صغيرها وكبيرها على اختلاف درجاتنا وعلى اختلاف مقاديرنا عند الله. وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى بحبه لعباده التائبين العائدين إليه من ظلمات الشرك والجهل والمعصية والشهوة وقدمهم ربنا تحبيبا لهم وتلطيفا على قلوبهم فقدمهم على المتطهرين فقال سبحانه “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” وقد فتح الله لعباده جميعا مؤمنهم وعاصيهم باب التوبة والرحمة والقبول فلا يغلق بابه أبدا ويطرد من جاءه تائبا منيبا حتى لو جاءه بمثاقيل الجبال من السيئات والأوزار فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح “ إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها “. وكان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يكثر من التوبة والاستغفار في جميع مجالسه دونما تعمد فكما يقول ابن عمر رضي الله عنهما فيما أخرجه البخاري “ إنا كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم يقول “ رب أغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم “ وتوجد عدة معان للتوبة تدور كلها حول العودة والرجوع إلى الله سبحانه فمن معانيها “ الرجوع مما كرهه الله وسخطه إلى ما يحبُّه ويرضاه , وفي تعبير الرجوع معنى عظيم هو أن الأصل في علاقة الإنسان بربه هو القرب لا البعد وان كل ابتعاد من العبد عن ربه هو خلل طارئ في سلوكه وتصرفه والتصرف الواجب عليه حينها لتصحيح خطئه هو التوبة والعودة إلى الله. ولكي نتدبر هذا الأمر يجب أن نعلم بالوثيقة الأولى والعهد الأول الذي عقدناه كلنا ونحن نطف بين يدي الله سبحانه , إذ أوقفنا وسألنا وأخذ علينا العهد والميثاق ولذلك كل من يشذ ويبتعد يطالب بالعودة إلى الله سبحانه فقال عز وجل “ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ” فهذا هو العهد الذي أقررنا عليه وتعهدنا به وشهدنا على أنفسنا أننا بداخلنا نداء فطري الهي يطالبنا بوفاء العهد مع الله والرجوع إليه. والمؤمن لا ينفك عن التوبة ليلا ونهارا ففي كل لحظة تحتاج منه أن يجدد توبته إلى ربه سبحانه فلا يوجد بيننا من هو أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين وصفوا بكثرة توبتهم لله في كل حين ويجب أن يعجل المؤمن التوبة ويسارع بها ولا يؤجلها , لعل الأجل ينقضي , فلا يعلم الآجال الا الله , ووقتها لا ينفع الندم حيث لا توبة بعد أن يغرغر الإنسان فيقول الله عز وجل “ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً “. والتائب لا يتوب إلا لله , ولا تكون توبته مقبولة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله سبحانه , والتوبة النصوح المقبولة لها شروط عامة ثلاثة أولها الإقرار بمعصيته ثم الندم عليها ثم النية على عدم العودة إليها مطلقا وهناك شرط رابع إذا كانت المعصية في حق مخلوق فيجب إعادة الحق إليه. فلا نجد من سرق وقتل ونهب وآذى الناس فلا نجده وقد حبس في محبسه , ولكنه لا يريد أن يقر ويعترف بذنبه ومعصيته وما اقترفت يداه وتلطخت من مظالم العباد ويحاول أن يكذب ويكذب ويكذب ويتخذ من المدافعين عنه زورا وبهتانا لكي يستغلوا خطأ إجراء أو ثغرة قانونية لتبرئة متهمهم هل هذه توبة ؟ وهل يعقل أو يقبل هذا الكذب ممن يمسكون بالمصاحف في أيديهم في شهر رمضان ؟!!!.