من المعروف أن إدارة المنشآت الصحية، تحتاج إلى معرفة دقيقة بالخصوصيات الطبية، والعموميات الإدارية، وتتطلب من «الطبيب المدير» موهبة فريدة، وشخصية مرنة، وتدرُّجا في مجال الإدارة، متدرّبا على فن التعامل مع الجمهور والموظفين، تحت إشراف أنظمة تقيّم أداءه. كما يحتاج مجال الإدارة الطبية إلى دراسة متخصصة، ودورات تأهيلية، فالطبيب يقضي سنوات كثيرة يدرس أصول الطب، وفنون مزاولة تخصصات دقيقة، لايمكن معها إتقان مهنة أخرى، ناهيك عن فن إدارة منشأة طبية، تخدم المرضى والمراجعين، وتضم أعداداً غفيرة من الموظفين والعاملين، وترتبط بمجموعة كبيرة من المؤسسات التي تقدم خدمات موازية داعمة. في رأيي أن ظاهرة تهافت «بعض الأطباء» على المناصب الإدارية، يعود لأسباب من ضمنها: قلّة حظ الطبيب من الناحية العلمية والأكاديمية، وضعف قدراته المهنية، وتوفير المنصب الإداري فرصة لإرضاء حبّه للظهور والتحكّم والتسلّط، إضافة إلى تمتّعه بعلاقات اجتماعية، وبدلات إضافية مُغرية، زيادة على بدلات مهنته الطبية، بالرغم من عدم مزاولته لها وهو في منصبه الإداري !!. أما آخرون، فقد وجدوا في المناصب الإدارية، تجنبا لمُشكلات المهنة، في مجتمع ينقصه الوعي الصحي السليم، وأنظمة إدارية لا يُوفّر بعضها حماية معتبرة للطبيب، في مواجهة التسلّط الإداري، والأخطاء الطبية، والإعلام غير المنصف. لكن من غير المنصف، الحكم على كل طبيب تولى منصبا مُتقدّما في إدارة صحيّة بعدم أهليته، فقد أثبت بعض الأطباء جدارتهم في إدارة دفة الرعاية الصحية لمؤسساتهم، واستحقوا الثناء والتقدير على قيامهم بتطوير خدماتها. في رأيي أن لدى المؤسسات الصحية في المجتمع السعودي مشكلة مزمنة في الأنظمة والكفاءات الإدارية الطبية، مما ترك المجال مفتوحا لأي طبيب، كبُر أم صغُر، أن يُنافس على مناصب إدارية، شريطة أن يعرف «من أين تُؤكل الكتف»، إذ ليس هناك - وللأسف - مايكفي من المتخصصين، الذين درسوا «فن الإدارة الطبية»، كما هو مفترض ومأمول. [email protected]