(دعوة لاحترام التخصص) سعادة مدير تحرير صحيفة عاجل لالكترونية الموقر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مع ازدياد نمو واتساع مملكتنا الحبيبةً, بل ورقيها في كافة المجالات وفي الوعي الصحي للمواطن وزيادة في معرفته بحقوقه وواجباته, تضل الخدمات الصحية بالمملكة مع الأسف متخلفة تخلفا غير معقول ولم ترق لمستوى توقعات المواطنين بل لم تحقق الحد الأدنى من رضا هم مقارنة بالإنفاق على تلك الخدمات. إن القضية الكبرى التي يراها مراقبو الوضع الصحي في المملكة والمتخصصون في إدارة الخدمات الصحية التي تقف حائلاً أمام تقدمنا في المجال الصحي تتمثل في أن وزارة الصحة وإداراتها وأقسامها الإدارية تدار من قبل مجموعة من الأطباء المتخصصين في الطب, تركوا التخصص الذي درسوه, وقاموا بممارسة تخصص الإدارة الذي لم يدرسوه ولم يعرفوه من قبل. ومن خلال الاطلاع على الهياكل التنظيمية الحالية للوزارة ومديريات الشؤون الصحية بالمناطق يتضح بان من قام بإعدادها هم أطباء غير متخصصين أو مدركين للإدارة وخفاياها. إن نقطة الإصلاح الأولى والانطلاقة الهامة لإيجاد نظام إداري صحي قوي قادر على تطوير خدماتنا الصحية يبدأ من حيث انتهى الآخرون في العالم المتقدم حيث احتفلت فرنسا منذ أكثر من ثلاثون عاما بخروج آخر طبيب من إدارة منشاتها الصحية. ورغم أن إدارة الطبيب للمنشات الصحية في بلادنا موضوع جدل لم يحسم بعد بين مؤيد لتولي الطبيب الوظائف الإدارية القيادية في المنشاة الصحية وبين من يدعوا إلى حصر عمل الطبيب في الممارسة الطبية وفقا لتخصصه الطبي وعدم اقتحام تخصص جديد كالإدارة الصحية دون علم ومعرفة لأبسط نظريات وتطبيقات ومفاهيم الإدارة الصحية الحديثة وهو القول الصحيح في اعتقادي ...... وعلى كل الأحوال لا يمكن لا احد أن ينكر أهمية الدعوة للتخصص في المجال الصحي إلا فئة الأطباء المتسلقين والمستفيدين من هذا الوضع الغير صحيح بل الذي اضر بالمواطن في كل مكان، ذلك أن الدعوة للتخصص تعتبر من ضرورات العصر الحديث ومن أهم متطلبات المرحلة الحالية لنهضتنا المباركة وسببا كافيا بإذن الله لتحسين وتطوير مستوى الخدمات الصحية في بلادنا الغالية ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة لا أن تبقى في مؤخرة دول الخليج والبلدان النامية. إن تسكين المتخصصين في وظائفهم التخصصية الصحيحة(كما تم تصنيفها من قبل وزارة الخدمة المدنية الذي لا يطبق بحجة عدم وجود متخصصين) وتفعيل واحترام التخصص مهما كان نوعه في كافة القطاعات وليس في القطاع الصحي فحسب هو الحل الأمثل والقابل للتطبيق في جميع دول العالم عدى بلادنا لعوامل وأسباب غير موضوعية. إن تخصص الإدارة الصحية الحديثة (( نشا وترعرع في الدول الغربية المتقدمة منذ مطلع القرن العشرين كأي علم متخصص آخر )) وله جهابذته ومفكريه، سجل التاريخ نجاحاتهم، درسوا وتخرجوا من هذا التخصص بشهادات عليا، وأبدعوا في تخصصهم، كما أبدع في الطب وغيره من التخصصات روادها. وفي قطاعاتنا الصحية كلما تمت الدعوة من احد المنصفين أو الغيورين بضرورة الأخذ بمبدأ التخصص نلاحظ حساسية مفرطة من قبل الأطباء الذين يشغلون المناصب الإدارية بالتكليف ( المحددة مبرراته وضوابطه في نظام الخدمة المدنية لأكنها لا تطبق) يقابلها حساسية مساوية لها في القوة ومعاكسه لها في الاتجاه من قبل المتخصصين في الإدارة الصحية المغيبين أصلا عن ممارسة دورهم الصحيح . وفي قطاعاتنا الصحية أيضا يسهل القفز من فوق أسوار التخصصات الفنية والإدارية المتخصصة خاصة من قبل بعض الأطباء الغير راغبين في ممارسة الطب والمنبهرين ببريق المناصب الإدارية والقيادية ويسعون لتحقيق طموحات ومكاسب شخصية. والغريب في الأمر بان مثل هؤلاء الأطباء يؤمنون بالتخصص الطبي الإكلينيكي فقط حيث يعتقدون بأنه لا يمكن لطبيب الباطنة التدخل في علاج حالة جراحية والعكس صحيح ويعتبرون ذلك تدخلا غير نظاميا بل وغير أخلاقيا في حقهم وحق المهنة ويرى بعضهم بأن الوظائف ( الإدارية ) المتخصصة وغير المتخصصة خاصة القيادية منها لا تخرج من كونها من الأعمال الروتينية الملحقة بمهنة الطبيب بينما يرى البعض الآخر بان إدارة المرفق الصحي حق مكتسب للطبيب لا يمكنه استيعاب قضية التنازل عنه لمن هو أحق منه ، رغم استيعابه لأهمية العمل بمبدأ التخصص ومعرفته بوجود متخصصين في إدارة الخدمات الصحية . لقد وجد الطبيب نفسه بشكل عام في المستشفى وفي المرفق الطبي منذ أمد بعيد ومنذ أن أنشأت وزارة الصحة في بلادنا الغالية كان الطبيب هو الكاتب والإداري والمدير المشرف وذلك بسبب قلة المتعلمين وعدم وجود متخصصين في مجال إدارة الخدمات الصحية في ذلك الوقت وقد قدم الأطباء المتعاقدون مع الوزارة ثم أطباء الوطن خلال تلك الفترة إلى وقتنا الراهن خدمات مقبولة وجيدة أحيانا في الطب والإدارة معا يشكرون عليها خاصة ما يتعلق بمكافحة الأمراض المعدية والمستوطنة من خلال برامج التحصين والوقاية وعلاج الأمراض الحادة واستخدام المضادات الحيوية. وفي وقتنا الراهن الذي تقف فيه المملكة على أعتاب حقبة زمنية جديدة من النهضة والتطور ومواكبة التقدم العلمي والتقني والفني والإداري والمستجدات العلمية الحديثة على كافة الأصعدة ابتداء من توفر الكوادر البشرية المؤهلة في مختلف التخصصات الطبية والإدارية المتخصصة وانتهاء بزيادة معدل النمو السكانيً, وارتفاع الوعي الصحي والاجتماعي للمواطن وتعدد وتنوع الخدمات الطبية والصحية التي يحتاجها المجتمع في هذا العصر فان الضرورة تقتضي تغيير اسلوب وطريقة الإدارة التقليدية والتحول إلى الأساليب العلمية الحديثة في إدارة الخدمات الصحية ورسم الاستراتيجيات الصحية وفق أسس علمية بحيث يمكن الإشراف عليها وقياس التقدم في تنفيذها وفق معايير جودة كمية ونوعية يمكن قياسها والاعتماد عليها، كما تقتضي الضرورة والمصلحة الوطنية تغيير أدوات واليات وأساليب التنفيذ والإشراف والرقابة وفقا للمعطيات الجديدة ومتطلبات المرحلة إذ لم يعد الأمر مجرد تقصي للأوبئة وعلاج للأمراض المعدية والحادة ولم تعد إدارة المرفق الصحي بسيطة أو تقليدية تقوم على طريقة الرد على المخاطبات وإخلاء المسؤولية بمجرد التوجيه بعبارة ( لإكمال اللازم) وترك الأمور للاجتهادات الشخصية والفزعات الاجتماعية إلى غير ذلك من الأساليب الإدارية التقليدية، بينما يتوفى الله المريض أو تتدهور حالته الصحية في خضم الفاكسات الصادرة والواردة وعدم وجود معلومة صحيحة عن سرير شاغر أو خدمة طبية متاحة رغم وجودهما!! لقد تعقدت عملية وأساليب تقديم وإدارة الخدمات الصحية للمستفيدين منها وأصبحت إدارة المنشاة الصحية تقوم على مبادئ ومفاهيم وقواعد ونظريات وتطبيقات الإدارة الصحية الحديثة ونظم المعلومات الصحية ونظم التامين الصحي واحتواء التكاليف وفق معايير طبية وفنية وإدارية حديثة متخصصة ومعتمدة من هيئات وطنية متخصصة تهدف إلى تحقيق وقياس مدى رضا المستفيدين من الخدمات الصحية المقدمة، والمحافظة على سلامة المرضى ومراقبة الأخطاء الطبية ومنع سوء الممارسة الطبية والفنية والإدارية. وفي المملكة يرى المراقبون والمهتمون بالشأن الصحي بان مستوى الخدمات الصحية قد وصل إلى حد أصبح الطبيب أو الفني الإداري أو حتى الإداري الغير متخصص في إدارة الخدمات الصحية غير قادر على المساهمة في تحسينه أو المساعدة في تطويره أو حل مشاكله المعقدة والمتفاقمة في ظل هيمنة الأطباء وغير المتخصصين على وظائف الإدارية الصحية خاصة القيادية منها وإتباع منهج الإدارة التقليدية، إذ لا بد من اللجوء إلى المتخصصين في إدارة الخدمات الصحية ليمارسوا دورهم الصحيح في تصحيح المسار وتحديد أركان وملامح النظام الصحي السعودي من خلال العمل على تخطيط وتنظيم والإشراف على تنفيذ الخدمات الصحية وفق رؤية إدارية واضحة ومعايير تنظيم وأداء مستقرة ومعتمدة يمكن قياسها وتطويرها ومن خلال تفعيل وتكامل وتناغم دور جميع التخصصات الطبية والفنية والإدارية والخدمات المساندة في النظام الصحي كفريق واحد. في قطاعاتنا الصحية الحاجة إلى التامين الصحي والتخطيط والتنظيم والإشراف والرقابة والى تطبيق مبادئ الإدارة المتخصصة واحتواء التكاليف بمعايير جودة معتمدة ومقبولة وخالية من المخاطر والأخطاء الطبية والإدارية والتحكم في مدخلات وعمليات ومخرجات النظام الصحي أكثر إلحاحا من الحاجة لمكافحة الأمراض المعدية وخفض معدل الإصابة بها أو علاج الأمراض الحادة المختلفة، حيث يمكن القول بان 80% من مشاكل ومعوقات النظام الصحي السعودي بسبب سوء التنظيم في أمور تعتبر من أبجديات (( المدير الإداري المتخصص)). إن فشل وهروب الأطباء والممرضين والفنيين السعوديين من تخصصاتهم وتسابقهم لشغل المناصب الإدارية والقيادية عن طريق التكليف وتشبثهم بها ومحاربة المتخصصين في مجال الإدارة الصحية الحديثة وإقصائهم من خلال قنوات الصراع التنظيمي المستشري في الوزارة كان وما يزال السبب المباشر والأكثر تأثيرا على تدنى مستوى خدماتنا الصحية وعدم اللحاق بالركب العالمي في مجال تقدم الأساليب الإدارية في مجال الإدارة الصحية. لقد فشل الأطباء الإداريون فشلا ذريعا في الانتقال بالنظام الصحي السعودي من الأسلوب التقليدي في الإدارة والتمويل إلى الأسلوب الإداري الحديث في إدارة وتمويل الخدمات الصحية اعتمادا على أساليب ونظم التامين الصحي وعلوم اقتصاديات الصحة وقواعد الاستثمار في الخدمات الصحية بالأسلوب التجاري ووفقا لمعايير الجودة وسلامة المرضى ونظم المعلومات الصحية وذلك بعد أن قام المجلس المركزي لاعتماد المنشات الصحية بالمملكة المنبثق عن مجلس الخدمات الصحية بإصدار معايير الجودة الخاصة بالمستشفيات عام 1426ه وبقيت تلك المعايير دون تطبيق حتى يومنا هذا بينما ما تزال مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستوصفات والمراكز والمجمعات الطبية والعيادات الخاصة في القطاع الخاص دون معايير جودة معتمدة حتى الآن، بل ما زالت التغطية الأساسية داخل وخارج مناطق ومدن المملكة بمراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات العامة لم تتحقق بعد، وما زال التامين الصحي على المواطنين لم يتقدم رغم إعلان وزارة الصحة بتطبيقه مطلع العام 2008م وها هو معالي وزير الصحة يوقف الضمان الصحي في عدد من المستشفيات ضمن حلقة من حلقات التخبط الواضح للوزارة. رغم إن السعوديون يموتون عند أسوار المستشفيات لعدم حصولهم على الخدمة. فماذا يعمل المواطن المريض إذا كانت مدينة الرياض غير مغطاة بالمستشفيات العامة ( 3مستشفيات عامة فقط لكل سكان مدينة الرياض إضافة إلى الأعداد الكبيرة من المحولين للعلاج داخلها ) ومراكز الرعاية الصحية غير متوفرة في العديد من الأحياء. إن الأولوية للتغطية بالخدمة ثم تحسين النوعية ثم اعتمادها وفقا لمعايير المجلس المركزي لاعتماد المنشات الصحية بالمملكة ثم تطبيق برامج الضمان الصحي وليس العكس! إذا نحن في عصر التخصص الدقيق وما تنفقه الدولة حفظها الله على القطاع الصحي من أعلى معدلات الإنفاق الصحي في العالم حيث أن ميزانية وزارة الصحة فقط أكثر من 17 مليار سنويا إذ يمكن لميزانية كهذه تحقيق نقلة كمية ونوعية في الخدمات الصحية المقدمة لو وجدت من المختصين من يحسن استثمارها ومع ذلك لا يوجد أي تحسن في مستوى الخدمات الصحية كما ونوعا لان اسلوب إدارة الأطباء التقليدي لم يعد مجديا في ظل زيادة تكاليف الخدمات الصحية وزيادة النمو السكاني وارتفاع معدل الطلب عليها ومطالبة المستفيدين بتوفيرها وتحسينها. وبسبب عدم أو صعوبة الوصول للخدمات الصحية في المرافق الصحية أصبحت المملكة أعلى دولة في انتشار الصيدليات وفي استهلاك الأدوية بوصفات من تلك الصيدليات إضافة إلى عدم وجود آليات وقواعد تنظيمية ورقابية فاعلة لاستيراد وتوزيع وصرف واستهلاك الأدوية. لقد تغيرت قواعد اللعبة كما يقال وولى زمن إدارة الطبيب وأصبحنا بحاجة إلى المتخصصين في كافة فروع الإدارة الصحية الحديثة كاقتصاديات الصحة ونظم التامين ونظم المعلومات الصحية وإدارة الجودة الشاملة ومعايير اعتماد المنشات الصحية، ولذلك فان الحاجة ماسة لتسكين المتخصصين في وظائفهم التخصصية في المجال الصحي وغير الصحي فالإدارة الهندسية المتخصصة لا بد منها في البلديات والمرافق الهندسية والإدارة التربوية في مجال التربية والتعليم والإدارة العدلية في المحاكم وهكذا. إن علم وفن ومفهوم الإدارة الصحية الحديثة في القطاع الصحي في المملكة لم يكن واضح المعالم لحداثته بالنسبة لنا خلال العقود الماضية حيث غالبا ما كان يتم الخلط بين الطب كممارسة وبين إدارة الخدمة الطبية نفسها، إلا انه ونتيجة للتقدم العلمي والاجتماعي وزيادة وعي وثقافة المجتمع السعودي برزت أهمية وإدراك قيمة الأخذ بالتخصص في القطاع الصحي بصفة خاصة حيث لم يطرح الكثير من الآراء حول تلك القضية في القطاعات الأخرى ذلك أن القطاع الصحي بطبيعته كان وما يزال هو الأقرب والأكثر إلحاحا والتصاقا بالمجتمع من غيره من القطاعات. أخيرا اقترح على معالي وزير الصحة وفقه الله بل أرجو منه أن يواجه التحدي الحقيقي الذي يواجه وزارته بل يواجه النظام الصحي للمملكة وان يعلق الجرس لمصلحة الوطن ورأفة بالمواطن، لان ذلك القرار إذا ما اتخذه معاليه ( وهو جدير بذلك وبثقة خادم الحرمين الشريفين وعموم أفراد المجتمع ) سوف يكون بداية نهضة عظيمة وتحول حقيقي في نظام وزارة الصحة بل في النظام الصحي السعودي بشكل كامل وسيسجله التاريخ بداية عصر النهضة الصحية الحقيقية في المملكة وهو ألا يبقى الأطباء محتكرين للقرار متشبثين بالإدارة ساعين خلف بريق السلطة الخادع، فمصلحة الوطن وصحة المواطن والمجتمع فوق كل الاعتبارات، والإصلاح قاعدة أساسية بني عليها وما زال يبنى عليها أركان وشموخ هذا الوطن الغالي، وليس في ذلك القرار تقليل من شان الأطباء الذين هم أساس وعماد الرعاية الطبية المتخصصة في مجال تخصصهم . أخصائي إدارة الخدمات لصحية عبدالله محمد القريشي