ما لا يفهمه الكثيرون أن اتباع فتاوى التكفير بحق الطوائف والمذاهب الإسلامية المختلفة ، لا يمثل خطرا على الحاضر والمستقبل وحدهما ، ولكنه يمثل خطرا – وهذه هي المفارقة – على ماضينا وتراثنا وحضارتنا كعرب وكمسلمين . بعض الذين يستمعون إلى أصحاب فتاوى التكفير ، لا يعرفون بأن التعدد كان إحدى اهم سمات تراثنا الذي شكل شخصيتنا القومية وهويتنا ونسيجنا الحضاري بشكل عام . هذه الفئة من الناس ، ليست لديهم فكرة ولو بسيطة عن مساهمة جميع الطوائف إسلامية وغير إسلامية في تراثنا الفلسفي والأدبي والعلمي ، كما أنهم لا يعرفون شيئا عن دور المسيحيين العرب في العصر الحديث ، في مقاومة حملات التتريك التي كانت مصدر تهديد حقيقي للغة العربية . الرؤية التكفيرية فضلا عن خطورتها الشديدة على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية لكثير من البلاد العربية ، فإنها تمثل خطرا حقيقيا على تراثنا وهويتنا التي فعل الغرب الاستعماري المستحيل ، من اجل اجتثاثها وقطع أية صلة لنا بها . هؤلاء لا يعرفون أن تكفير الطوائف الإسلامية ، يعني التخلي عن تراث أبي الطيب المتنبي وابن سينا والفارابي وإخوان الصفا والشريف الرضي والفرزدق وأبي فراس الحمداني واليعقوبي والمسعودي .. وغيرهم . المسألة ليست سهلة كما يبدو للوهلة الاولى ، فالتكفير باسم الطائفة والمذهب يعني تجزئة التراث واقتطاع أوصاله واجتثاث أطرافه حتى يبدو كما لو كان جثة ممزقة تعرضت لأقسى أنواع التمثيل بعد القتل . الإسلام كمنظومة حضارية يعني الجميع ولا يخص طائفة او مذهبا أو فرقة او قومية أو تيارا دون الطوائف والمذاهب والفرق والقوميات الأخرى . ذلك ان الجميع وبدون استثناء ، قد أسهموا في تأسيس هذه المنظومة الحضارية . واخطر ما يمكن أن تتعرض له هذه المنظومة الثرية والصلبة وبالغة الحيوية ، هو محاولة البعض تصنيف وفرز ما يخص كل فرقة أو مذهب أو طائفة متغاضيا عن الدور الذي لعبه التفاعل في إنتاج ذلك المناخ الغني الذي انعكس من خلال ما احتفظ لنا به التراث من مؤلفات . لقد انتج لنا الجدل الناتج عن التفاعل بين المختلفين، العديد من الآثار الخالدة في تراثنا ، ككتابي (تهافت الفلاسفة) لأبي حامد الغزالي وكتاب (تهافت التهافت) لابن رشد الأندلسي ، فماذا نفعل بكل ذلك ؟ التراث يخص الجميع .