الحمد لله الذي أتم على الحجيج حجهم، وأكمل لهم مناسكهم، وأرجعهم إلى أهلهم سالمين غانمين، بإذن الله تعالى. كنت أعتقد دائمًا أن تلك البيانات التي تصدرها الجهات الرسمية عن نجاح موسم الحج فيها من المبالغة، نظرًا لما نراه من بعض السلبيات، متناسين أن معيار النجاح لدى تلك الجهات يختلف عن معيارنا كحجاج، ولكن كلا المعيارين يكمل أحدهما الآخر، فرأي المستفيد من الخدمات لا شك أنه يهم الجهات المسؤولة، فهو ضابط من ضوابط نجاح التجربة، ومن هذا المنطلق أود أن أعرض بعض الصور السلبية التي قد تشوّه من وجه النجاح مستقبلًا؛ إن لم نبادر بوضع الحلول السريعة والناجحة. قد لا أكون مبالغًا إذا ما قلت بأنه من يوم الثامن للحجة وحتى نفرتنا إلى مزدلفة، خِلتُ أن «حملتنا» هي الحملة الوحيدة في الحج، حتى أخذ بعضنا يتساءل هل هناك خطأ في توقيت الحج؟ كناية عن شدة السهولة والتيسير والتنظيم الذي تميز به حج هذا العام، فلم نر ازدحام الحافلات ولا تدافع الحجاج، بل لم نر إلا عددًا محدودًا منهم، وحتى وسيلة التنقل بالقطار التي كنت خائفة منها، إذ كيف سينتقل الحجيج من حملاتهم إلى محطات القطار، وكيف سيتم نزولهم وصعودهم من وإلى المشاعر الأخرى..!! تجربة كنت أرى أنها ستفشل بكل المقاييس، وإذا بي أُفاجأ بأنها تجربة ممتعة، فكم سهَّل القطار على الحجيج ذهابهم وإيابهم، وقضى على مشكلة المواصلات والاختناقات المرورية، وما يلقاه الحجاج من عناء وتعب من جراء الوقوف الساعات الطوال بلا نوم ولا أكل ولا قضاء حاجة، لكن القطار قضى على ذلك كله، فقد وصلنا من منى إلى عرفة في (10) دقائق، ومن عرفة إلى مزدلفة في (7) دقائق، ومن مزدلفة إلى منى في 9 دقائق تقريبًا. لكن، وآه من لكن، فإن هذه الإيجابيات الجميلة قد تخللتها بعض السلبيات التي أفقدتنا لذة الاستمتاع بحلاوة ذلك الإنجاز، وذلك حين بدأت الفوضى تطل برأسها، فبعد قضاء نصف الليل في مزدلفة، وأخذت الحملات في الاتجاه إلى محطة القطار رقم (3)، بدأت الفوضى تضرب بيديها وقدميها في خاصرة الحجيج، وما ذاك إلا لقصور في التنظيم وترك طريقة التفويج، ما أدى إلى حجز الحجاج بأعدادهم المهولة عند السلالم المؤدية إلى المحطة، اعتقادًا من المنظمين الذين يجلسون في مكاتبهم؛ ولم يروا الأمر على واقعه أن نظام الحجز هذا سوف يحد من التدافع، وتناسوا ما يُسببه التكدس من اختناق، وكم من حالة إغماء قد رأيت مع عدم وجود إسعافات أولية، أو حتى عربة لنقل العجزة والمرضى، وإلى لحظة كتابتي هذا المقال لم أجد مبررًا لهذا الفعل خاصة بعد أن رأينا مساحات شاسعة بعد السلالم كان بالإمكان استغلالها لتخفيف التكدس والازدحام. وأغرب شيء ذلك الإضراب الذي قام به عمال وموظفو القطار في يوم عرفة، وتوسل المسؤول عن مُكبِّر الصوت بأن يعودوا إلى مواقعهم، ويعدهم بصرف بدل ساعات العمل الزائدة وكل مستحقاتهم.. وهذا الموقف يثبت أن هناك خللًا في الإدارة، وتقصيرًا في أداء حقوق موظفيها، وعدم تحفيزهم على العمل، ولعلها نسيت أو تناست أنها تتعامل مع ثقافات عمالية مختلفة، وأن العالم يتغير!! ومن أخطر ما رأيت تلك الفتحة الموجودة بين القطار وبين رصيف الصعود والهبوط، فهي تتجاوز 20 سم، ما قد يُسبب سقوط الأرجل بها، وهذا بالفعل ما حصل لامرأة بالقرب منا، وكُسرت قدمها، ولعل غيرها كثيرون لم ينتبهوا لوجودها لكثرة الزحام، ثم ما الحكمة من وجود فتحة كهذه؟! صحيح أن المشاعر قد خلت من الحافلات والسيارات التي كانت تسبب الزحام، كما تم القضاء على مشكلة رمي الجمرات وتدافعهم وازدحامهم، ولكن عدم وجود وسائل نقل داخلية تنقل الحجيج من مخيماتهم إلى محطة القطار، أو من مخيماتهم إلى الجمرات، أو من منى إلى مكة، قد تؤثر على صحة الحاج، فليس جميع الحجاج من فئة الشباب، بل حتى الشباب قد اشتكت أقدامهم من شدة التعب وعظيم السير. لا تقل أنك شاهدت (سيارات جولف) في خدمة الحجيج من كبار السن والنساء والعجزة، نعم رأيناها بأعيننا واقفة صامدة لم تتحرك، كأنها في أشهر معرض للسيارات، بدليل أن مقاعدها ظلت محتفظة بغطاء النايلون الخفيف حتى آخر لحظة. أما الخدمات الصحية -وأقصد بها الإسعافات الأولية- تكاد تكون معدومة، خاصة عند محطات القطار وعند الجمرات، فلا توجد وسيلة مواصلات توصل المريض إلى المراكز الصحية. وأكثر أمر يثير الاستغراب أن عدد الجنود كان كبيرًا لكن الكثير منهم كان سببًا في ضياع كثير من الحجاج بدلًا من إرشادهم لجهلهم بالطرق، فهم بحاجة إلى دورات تدريبية ميدانية، وليست على الخرائط فقط، فكم كلفنا ذلك الجهل من متاعب، والسير في غير الاتجاه المطلوب عدة كيلو مترات. نتمنى تزويد المشاعر في منى وحول محطات القطار بوسائل نقل خفيفة مثل الدبابات ذات العجلات الأربع، أو حتى ما يسميه الاخوة المصريون (التكتك) أو ما يسميه الهنود (الراكشا)، أو أي وسيلة غير المشي المميت على الأرجل.