«لم نتوقع أن نصل بهذه السهولة إلى المشاعر المقدسة!».. بهذه العبارة بدأت الحاجة عزيزة من السودان التي تحج للمرة الثانية بعد 30 عاما من حجتها الأولى حديثها مندهشة بعد أن ترجلت من القطار الذي أقلها من منى إلى عرفات بسرعة وسهولة لم تكن تتوقعها. عزيزة التي قدمت من قرية صغيرة تبعد عن الخرطوم شمالا بنحو 100 كيلو متر؛ لم تتخيل المشهد الذي رأته من سكك حديدية وقطارات لا يعيقها زحام أو ارتدادات طويلة من الحافلات التي تخنق الأجواء بدخانها. ليست الحاجة عزيزة هي الوحيدة من بين الحجاج الذين شعروا بتيسير حجهم من جراء هذا المشروع بل إن جميع الحجاج تجد في وجوههم الرضا بل إن بعضهم شبه تنقلهم بالرحلة السياحية ولا سيما أن قطار المشاعر يمر على أماكن ومشاهد عديدة في طريقه من عرفات إلى منى مرورا بمزدلفة. تفرغ للعبادة محمد طه سالم حاج مصري أشاد بمشروع قطار الحرمين وقال إنه يسر على الحجيج وأزال عنهم مشقة التنقل والتفرغ للعبادة، وهذا ما ينشده حجاج بيت الله الحرام بأن تكون الخدمات مهيأة لهم وخصوصا التنقل وذلك للتفرغ لأداء العبادات من دعاء وصلاة وأداء للمناسك. ويعبر المواطن خميس الغامدي، من حجاج الداخل عن سعادته بما شاهده ولمسه خلال حج هذا العام «بهرني ما رأيته خصوصا قطار المشاعر وأستغرب عدم التطرق له بشكل كبير في وسائل الإعلام حيث إنه من المشاريع العملاقة التي لا تقل أهمية عن بقية المشاريع كمشروع الجمرات ومشاريع تصريف السيول، التي هي الأخرى أسهمت بشكل كبير في تيسير الحج علينا وأزالت المشقة خصوصا عن كبار السن». فرق بين اليوم وقبل 15 عاما! عمار رفاعي، من ليبيا، كبير في السن قال إنه حج قبل نحو 15 عاما حينما كان يعمل في المملكة وشهد فرقا شاسعا بين ما هي عليه المشاعر المقدسة والآن خصوصا في الجمرات وعملية التنقل عبر القطار، وأضاف «القطار حملني مع بقية الحملة إلى عرفات بكل روحانية وهي خطوة عظيمة نتمنى استكمالها ليستفيد منها جميع الحجاج في الأعوام المقبلة». أما محمد الجمهور فيقول «قطار المشاعر خفف الزحام على الحجاج واختصر وقت الذهاب إلى عرفات والعودة إلى مزدلفة ثم إلى منى إلى نحو 30 % ويمكن أكثر من الوقت الذي كان الحاج يقضيه في الرحلة وهذا يعطي الحاج الوقت للتفرغ للدعاء والعبادة». نجاح تصعيد الحجاج إلى عرفات ذكر المدير العام لمشروع قطار المشاعر المقدسة المهندس فهد بن محمد أبو طربوش أن خطة التصعيد من منى إلى عرفات التي بدأت الساعة العاشرة من مساء الجمعة نجحت حيث ستستمر في نقل الحجيج حتى الساعة العاشرة من صباح يوم عرفة، مشيرا إلى أن القطارات ستعمل كمترو عادي لخدمة المشغلين والخدمات الحكومية والأهلية على أن تتوقف الساعة الثالثة والنصف عصرا استعدادا لنفرة الحجيج من عرفات إلى مزدلفة والتي ستبدأ عند الساعة 5:45 مغرباً عبر 15 قطارا. أهم مشروع تطويري ويعد مشروع قطار المشاعر المقدسة من أهم المشاريع التطويرية التي قامت وزارة الشؤون البلدية والقروية بتنفيذها في المشاعر المقدسة ويهدف إلى نقل الحجاج بشكل سريع وتفويج منظم وبطاقة استيعابية كبيرة ما بين مشعر عرفات ومزدلفة ومنى، وكانت بداية انطلاقته في حج عام 1431 بنسبة تشغيل تقارب 35 % واكتملت مرحلته الثانية بتشغيل كامل الطاقة الاستيعابية للمشروع بنسبة 100 % خلال حج هذا العام 1432. المشروع يقع في منطقة المشاعر المقدسة في الجزء الجنوبي منها، ويبلغ طول الخط نحو 20 كيلو مترا بمسارين مرتفعين عن الأرض بحيث تخلى الشوارع من المركبات للاستفادة منها لسيارات الطوارئ والخدمات، ويبدأ المسار من محطة الجمرات على طريق الملك عبدالعزيز عند المستوى الخامس لمنشأة الجمرات الحديثة ويمر وسط طريق الملك عبدالعزيز مرتفعا عن الأرض بمشعر منى إلى مزدلفة ومنها إلى عرفات على الطريق رقم «3» لينتهي عند المحطة الثالثة عند الدائري الشرقي لعرفات. توفير 30 ألف سيارة ويشتمل مشروع قطار المشاعر المقدسة على تسع محطات مرتفعة عن الأرض، في كل من منى ومزدلفة وعرفات بواقع ثلاث محطات في كل مشعر ويبلغ طول المحطة 300 متر ويتم الوصول إليها عن طريق منحدرات للدخول والخروج منفصلة، بالإضافة إلى سلالم متحركة ومصاعد كهربائية، وفي كل محطة ساحتان لانتظار الحجاج تستوعب كل واحدة منها ثلاثة آلاف حاج، ومزودة بكل وسائل السلامة وتلطيف الجو، بالإضافة إلى ساحة انتظار أسفل المحطة يتم تفويج الحجاج إليها تباعا، وقد تم اختيار مواقع المحطات بمشاركة جميع الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الحج والأمن العام بما يضمن سهولة الوصول إليها وانسيابية الحركة وتغطيتها لأماكن تواجد الحجاج المستهدفين بشكل سليم. ويسهم هذا الخط في سحب نحو 30 ألف سيارة من شبكة الطرق داخل المشاعر، وهي السيارات التي يستخدمها حجاج الداخل من مواطنين ومقيمين بالإضافة إلى حجاج الخليج وحجاج البر من الخارج، ما يساعد في تخفيف الضغط بشكل كبير على شبكة الطرق وحل مشكلة النقل وازدحام السيارات فيها، كما أن الطاقة الاستيعابية للقطار تبلغ 72 ألف حاج في الساعة لمواجهة الطلب على النقل في النفرة من عرفات إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى بحيث يمكن نقل نحو نصف مليون حاج خلال ست ساعات، وهي تعد أعلى طاقة قطار في العالم. مدينة متكاملة وخلال هذا العام 1432 تم تنفيذ عدد من المشاريع الخدمية الملحقة بالمشروع وهي إنشاء سلالم متحركة ومصاعد كهربائية عند محطتي القطار «منى 1، منى2» فوق طريق الملك عبدالعزيز وذلك تسهيلا لحركة المشاة أثناء انتقالهم بين المحطتين، وإنشاء سلالم ثابتة ومتحركة ومعبر علوي عند محطة القطار «مزدلفة 1» فوق شارع القصر الملكي وطريق الملك فيصل وذلك لانتقال المشاة بين المحطة والساحات الواقعة جنوب طريق المشاة .