المؤاخاة الحسنة خلق رفيع حث عليه الإسلام، وأوصى بالعناية به، فقد امتن الله تعالى على المؤمنين وذكَّرهم نعمته عليهم بأن جمع قلوبهم على الصفاء وردها بعد الفرقة إلى الألفة والإخاء، فقال عز وجل: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا). ووصف الله تعالى نعيم الجنة وما أعده فيها لأوليائه من الكرامة إذ جعلهم إخوانا على سرر متقابلين، فقال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) وقد آخى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وبين أهمية التآخي بين المسلمين. قال أحد الحكماء: (الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين). وقال الشاعر في المعنى ذاته: أخاك أخاك فإن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح والأخ مرآة أخيه يريه حسناته وسيئاته. وقد حث كثير من الشعراء على الاستكثار من الإخوان الصادقين المخلصين، لأنهم ذخر عند الحوادث، ومعونة عند الشدائد، ومنهم هذا الشاعر الذي يقول: تَكَثَّر من الإخوان ما اسطعت إنهم عماد إذا استنجدتهم وظهور فما بكثير ألف خل وصاحب وإن عدوا واحدا لكثير فمن الأخوة الصادقة يتولد التعاون والاتحاد والتآزر والتناصر، فيكون الإخوة يدا واحدة أمام العوادي تتكسر على صخرة وحدتهم ضربات أعدائهم لتنطبق عليهم تلك الدعوة التي وجهها إليهم أحد الشعراء وهو يقول: كونوا جميعا يا بنيَّ إذا اعترى خطب، ولا تتفرقوا آحادا تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا وفي اختيار الصديق يحتاج المرء أن ينظر إلى من يصادق، وأن يدقق في اختياره فالمرء على دين خليله، والإنسان بقرينه، وقد قيل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي وفي وصف الصديق المخلص، الذي ينبغي الحرص عليه، يقول أحد الشعراء: إن أخاك الصدق من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتَّت فيك شمله ليجمعك وقد أوصت أعرابية ابنها، فقالت له: يا بني إياك صحبة من مودته بشره فإنه بمنزلة الريح. ورددت قول القائل: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاجتنبني واتخذني عدوا أتقيك وتتقيني ومما يجب للصديق على الصديق الإغضاء عن زلاته، والتجاوز عن سيئاته وهفواته، وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول بشار: إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه ويبين الخليل بن أحمد الفراهيدي طريقته في معاملته مع أصدقائه وإخوانه، فهو يصفح عن كل ذنب، ويتجاوز عن كل زلة، يقول: سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه إلي الجرائم فأما الذي فوقي فأعرف فضله وأتبع فيه الحق، والحق لازم وهي طريقة تدل على رفعة أخلاقه وعلو آدابه وقدرته على اكتساب محبة الآخرين والسير معهم في دروب المعاملة الحسنة. * الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية