حار علماء البلاغة والأدب، واحتار أهل اللغة والكلم، فظلّوا في دهشة وعجب، من أمر قليل الأدب، فمنهم مَن عرّفه بفاقد الذوق، ومنهم مَن صنّفه على أنه عديم الإحساس، ومنهم مَن عدّه فاقد الاحترام لنفسه قبل الناس! لكنني أرى أنه ذلك الذي جمع بين هذا، وهذه، وذاك. لا أعتقد أن أسماء الإشارة، ولا شتّى أنواع الضمائر المتصلة والمنفصلة، ولا حتى ذلك الضمير المتكلّم الذي يستخدمه كاتبنا المبدع الأستاذ عبدالله الجميلي قادر على وصف ذلك المشهد البشع، الذي رأيته بأم عيني، ولم يصلني سماعًا ولم يتنامَ إلى علمي. لا أعتقد أنني سأجد تلك العبارات، ولا أظن أنني سأعثر على تلك الكلمات؛ لأصوغ منها تلك الجمل التي تعبّر عن تلك الصورة التي اشمأزت لها نفسي، واقشعرّ لها بدني، فعجز لساني عن وصفها، فاستعنتُ بقلمي ليصوّرها، رغم أنها لا تحتاج إلى تعليق القلم. تخيّلوا معي رجلاً قد نال الشيب من شعر رأسه، وبلغ به الكبر مبلغه، فوهنت قوته، وضعفت حيلته، فلم يتّعظ، ولم يعتبر؛ ليتهجم على ذلك المعاق الذي لا حول له ولا قوة، فَيُسْمِعه أقبح العبارات، ويوجّه له أنواع الإهانات، التي لو سمعها مَن تحرّكت يداه لتعامل بلغتهما بعيدًا عن لغة اللسان. نعم قد يكون ذلك الرجل يشعر أنه خرج من المعركة منتصرًا، دون أن يدرك أنه سيقف ذات يوم مكان ذلك المعاق؛ لينال جزاءه من الملك الديّان. فقد تعلّمنا من قديم الزمان أنه كما تدين تُدان.