خيّم الحزن الشديد على كافة أهل وصديقات وزميلات الشاعرة مستورة الأحمدي التي توفيت أمس الأول بعد مرض ألَّم بها، «المدينة» لمست صورًا معبّرة لمسناها عند كل من يعرف الراحلة مستورة ضويعن الأحمدي، تركتها الفقيدة في نفوس محبيها وصديقاتها في محيط العمل، وكذلك طالباتها من استسقوا من معينها البلاغة وفلسفة الشعر. يوم أمس كان يوم بكاء ونحيب بين زميلاتها المعلمات في المتوسطة الثامنة بالمدينةالمنورة، حيث مقر عمل الفقيدة، زميلاتها تفاجأن بالخبر، كل واحدة تواسي الأخرى بالمصيبة التي كان وقعها مؤلمًا وشديدًا، وخاصةً على طالبتها اللاتي انتظرن عودتها لتكمل لهن الدرس وتشرح سطوره بكل سلاسة وسهولة تعودنها منها. طالباتها الطالبة فاطمة المحمدي قالت: كيف أعود للمدرسة غدًا ومكان معلمتنا الحبيبة في غرفة المعلمات قد خلا منها، وكيف أتحمّل أنا وزميلاتي في الفصل رؤية السبورة وأنامل معلمتنا مستورة لا تلمسها.. إن صورتها ماثلة أمامنا وهي واقفة على باب الفصل تتأبط دفاترها في انتظار خروج معلمة المادة دون أن تتأفف من تأخيرها فتحييها بابتسامتها الوادعة وتلقي علينا السلام.. يا الله لن يكون ذلك بعد اليوم، فقد شاء الله أن يختار معلمتنا الحبيبة بعد معاناة مع المرض، وأكفنا مرفوعة بالدعاء لها، ونسأل الله أن يتغمدها بواسع رحمته. أما الطالبة أمل فقد علمت من وسائل الإعلام بوفاتها، فتواصلت مع بعض صديقاتها في المدرسة وذهبت إلى المسجد النبوي الشريف للصلاة عليها والدعاء لها، فهي المعلمة المحبوبة (كما قالت) وكانت مفتاحًا للمعرفة تساندهن وتشجعهن على القراءة وكتابة الشعر، وقد اختارت أكثر من طالبة موهوبة في كتابة الشعر الفصيح لنشر قصائدهن المبتدئة على الفيس بوك وبعض الصحف الإلكترونية؛ لينطلقن من خلالها ولكن إرادة الله شاءت أن تغادرنا.. رحمها الله. زميلاتها المعلمة أم محمد قالت: أحبب من شئت فإنك مفارقه.. هذه سنّة الحياة.. فبالأمس القريب فقدت أخي ووالدي، فأبى النسيان إلا أن يعود بي إلى فاجعة أشد مرارة على نفسي، فأختي وصديقتي القريبة إلى نفسي مستورة الأحمدي زُفت بإذن الله مستبشرة إلى خالقها راضية مرضية إن شاء الله.. وتتركنا مذهولين مما حدث.. فلقد ذهبت كالنسمة الهادئة.. رحمها الله، فهي الأخت الغالية التي أتحفتنا بأدبها وخُلقها العالي. وقالت المعلمة عيدة الجهني: لن أقول إلا كما قال غيري من المكلومين بأن الكلمات تعجز عن وصف حال المكلوم بموت قريب أو فقدان عزيز، يشعر حينها المفجوع بأن العالم بأسره بدأ ينهار ويتداعى أمامه، والوجود بدأ يتحول إلى فراغ قاتل، ونور الحياة يتحول إلى سواد خانق، وتحل الحيرة والصمت والعجز، نستطيع فقط أن نعبّر عنها بالحزن، لذلك لا بد أن يعرف كل فاقد حزين بأن فترة الضيق التي يشعر بها بسبب غياب من يحب، إنما هي فترة محدودة يمر بها جميع الناس ويقاسون ويلاتها وصدمتها، ولكن تقلّب الأيام كفيل بتخفيف المصاب ومسح الآلام. وأشارت الجهني إلى حزنها الشديد بأنها لم تعرف عن مرض الفقيدة إلا من الصحف وفي وقت متأخر، وقد تفاجأت بخبر وفاتها في اليوم الثاني، واستغربت من بقائها عشرة أيام في العناية المركزة دون أن ينظر أحد في نقلها إلى مستشفي متخصّص، ولم يتحرك الجميع إلا في وقت متأخر بعد سريان الضيق في أنفاسها حتى نفذت آخر قطرة هواء تنفستها مستورة.. لا أقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون. شقيقها بقلب يعصره الحزن، قال شقيق الراحلة عبدالقادر: الموت حق ونحن راضون بما قدّره الله وهو أرأف بها منا، نسأله سبحانه أن يتغمّدها برحمته، فالفقيدة أختي الغالية التي عاشت معي قريبة ولم يفصل بيني وبينها سوى جدار البيت، ولم أتركها حتى في سفرها إلى أبو طبي، وحضرت معها حلقات شاعر المليون، وكلما صدّحت بقصيدة تسبقني دموعي، وخاصةً عندما أنشدت قصيدتها «أمي». وأشار عبدالقادر إلى أن شقيقته الفقيدة تمتاز بعاطفة جياشة، وتملك مواهب كثيرة في الرسم وتصميم الفساتين والعباءات، وقد صممت فستان مذيعة شاعر المليون فأبهرت المصممين في الإمارات، حيث طلبت منها مؤسسة بيت أزياء أبو ظبي أن تكون مستشارة، وعرضوا عليها راتبًا مغريًا. وعن حياتها الخاصة قال: الفقيدة منفصلة عن زوجها منذ أكثر من 6 سنوات لعدم التوافق الأسري بينها وبين والد أبنائها (أديب ووتين).. والفقيدة محبة لأبنائها، وكثيرًا من الخيارات فيها سعادتها تركتها من أجلهما، وفي الفترة الأخيرة استدانت من عدة بنوك لتحقق حلم أبنائها وتشتري لهما سكنًا، وقد كانت قاب قوسين من تحقيق الحلم إلا أن انهيار سوق الأسهم بدّد أحلامها وأدخلها في دوامة الديون وتسديد الأقساط، ولكن برنامج شاعر المليون أعاد لها الأمل ولكن ما حصلت عليه أقل من 150الف ريال لم تساعدها على تسديد بعض التزاماتها، ولكن كانت الأمنيات تعانق رغبتها لعلها تحقق السكن لفلذاتها حتى توفاها الله.. اسأل الله أن يبارك في ابنيها ويكونا صالحين. ابناها وقال ابنها أديب (14سنة): سهام الموت لا تخطئ، وإذا أراد الله أن يختار أحدًا من عباده لا يستطيع أحد أن يقول للموت لا، فموت أمي الحبيبة قدّره الله وليس أمامي إلا أن أقول إنا لله وإنا إليه راجعون وإن شاء الله أكون قادرًا على تحقيق ما كانت تتمناه مني أنا وأختي وتين. الصغيرة وتين (9 سنوات) التي توسمت أمها الفقيدة أن تكون شاعرة؛ نظرًا لما تملكه من ملكة الشعر وموهبة الإلقاء، وقد حرصنا على أن لا نُحزنها بالأسئلة، فعيناها اللامعتان تبرقان فطنة وتغيبان في ملكوت لا يعرف الحزن طريقه، فاكتفينا بتقبيلها ووعدناها بزيارة لمدرستها، حيث تقام مسابقة للموهوبات تشارك فيها لتنشد الشعر. كما قالت الفنانة التشكيلية ليلى الأحمدي: «إن من خطفها القدر هي بمثابة الروح لروحي.. تلك كانت صديقة العمر ومستودع الشكوى والأسرار».. والفنانة ليلى الأحمدي مقربة من الفقيدة رحمها الله، وقد حاولت أن تفتح لنا دفاترها، وتبوح ببعض سجاياها إلا أن غصة الدموع ابتلعت الكلمات فأسكتها الوجع.