نظم مركز الدراسات العربي الأوروبي الذي لي شرف رئاسته ندوة دولية في باريس يوم 29/9/2011 تحت عنوان : « المياه : نبع حياة أم مصدر للنزاعات في الشرق الأوسط ؟ « وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والإستراتيجيين والخبراء المختصين وصناع القرار العربي والدولي ، وبمشاركة فعالة للمجلس العالمي للمياه ، والمجلس العربي للمياه ، ومؤسسة جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه . وجاء انعقاد الندوة متزامناً مع ما اعلن عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بشأن الوضع المائي في السعودية في خطابه الأخير ، كما كانت الندوة مناسبة لمناقشة ازمة المياه عالمياً وشرق اوسطياً من جوانب متعددة : منها ما له علاقة بأسباب الشح في المياه ، وبالخلافات على تقاسم هذه الثروة الطبيعية ، ومنها ما هو مرتبط بأبعاد تقنية خاصة بالترشيد وتحلية مياه البحار وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي وفق احدث التقنيات المعتمدة . وقد يظن البعض ان الحديث عن ازمة المياه هي مسألة تعني اسرائيل من جهة ودول عربية مجاورة لها من جهة اخرى ، او تعني تركيا مقابل سورية والعراق ، او تعني مصر والسودان بمواجهة جيرانها الأفارقة . وهذا تفكير خاطىء لأن المسألة تعني بنفس الدرجة من الأهمية دول الخليج العربي ايضاً التي تفتقر لهذه المادة الحيوية التي سيزداد الطلب عليها في المستقبل مما يلزمنا ضرورة وضع استراتيجية تكفل لنا توفير احتياجاتنا قبل الوصول الى شفير ازمة كبرى . ففي دول مجلس التعاون الخليجي اليوم 62 محطة لتحلية مياه البحار وقد بلغت كلفة انشاء كل محطة نحو المليار دولار ، وهي تنتج 70 في المائة من الإنتاج العالمي مما يعني ان دول مجلس التعاون هي الأكثر افتقاراً على المستوى العالمي للمياه ، وتحديداً المملكة العربية السعودية التي عمدت وحدها الى انشاء 27 محطة تكرير لإنتاج 3.36 ملايين متر مكعب يومياً بكلفة تصل الى 8.6 ملايين ريال ، أي ان كلفة انتاج المتر المكعب الواحد هي بحدود 2.57 ريال يضاف اليها 1.12 ريال بدل نقل لتبلغ التكلفة السنوية حوالي 300 مليون ريال . وبما ان الدراسات المختصة تبين ان دول مجلس التعاون ستحتاج الى نحو 49 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025 حيث سيصل التعداد السكاني الى نحو 56 مليون نسمة فإن ذلك يستدعي البدء بتحضير الأموال اللازمة لاستثمارها في مجال بناء محطات تحلية جديدة بحيث ان المبالغ المطلوب رصدها تبلغ نحو 120 مليار دولار . وإذا كانت الثروة النفطية التي تمتلكها دول مجلس التعاون تسمح الآن بتوفير المبالغ المطلوبة ، إلا ان ذلك لا يمنعنا من التفكير بالمرحلة القادمة ، وبكيفية توفير المياه فيما لو نضب النفط وانعدمت معه سهولة تمويل مشاريع التحلية . وهنا تكمن اهمية الفعاليات التي يتم تنظيمها عن المياه ومنها تلك التي نظمها مركز الدراسات العربي الأوروبي في باريس ، لأنها كناية عن نافذة نطل من خلالها نحو المستقبل لنحدد طبيعة المخاطر المحدقة وسبل مواجهتها دون ان ننتظر لحظة حدوثها لنحصي الأضرار او للبكاء على الأطلال .