التعامل مع الفئات الخاصة يحتاج إلى قدر كبير من التركيز والحذر، وذلك لسبب أن الوجه الآخر وتلك الصورة للعديد ممّن ينظر إليهم المجتمع بأنهم أسوياء هم في الحقيقة أكثر عبئًا على المجتمع، ومن هذا المنطلق بعيدًا عن كل ما يخدم مصلحة هذه الفئات أصابت الكاتبة القديرة أسماء محمد في مقالها بجريدة عكاظ 18 سبتمبر عن مطالبة مكفوفين يدرسون في معاهد النور بفك التجميد عن مكافأتهم.. جميعنا تكدر من هذه المطالبة.. نعم هضمنا حقوقهم، لم نصدق 450 ريالاً منذ نحو 40 سنة، وتواجه التأخير لعدة أشهر، ثم تأتي المكافأة الشهرية التي يتسلمها الذين يدرسون المرحلة الابتدائية 300 ريال، والمتوسطة 375 ريالاً، والثانوية 450 ريالاً، كل شيء تغير إلاّ هذه المكافآت لم تتغير.. انتهى. نعم.. كتبنا كثيرًا وأسهبنا في الكتابة عن هكذا موضوع، بل دائمًا ما نتحدث عن حقوق هذه الفئات المشروعة لمنحهم الثقة في أنفسهم، وحتى يتم تهيئة الفرصة لهم لإثبات الذات، والخروج إلى المجتمع، وقلنا مرارًا وتكرارًا: إن في هذا العصر لم يكن الحديث عن هذه الفئات مجرد قراءات نظرية، فقد خرجت من التنظير إلى التطبيق العملي، ولقد برزت عدة شواهد قرأنا عن بعضها وسمعنا عن البعض. تقول الكاتبة أسماء محمد.. هل يعلم من يتوقع أنه أعطاهم و(كثر) أن جهاز ربطهم مع العالم بلغة (برايل) تقنيًا يكلف خمسة آلاف ريال حتى يكونوا بيننا، ونخرجهم من ظلمة قبور التهميش.. وهل يعلم.. أن لا تعليم عاليًا لغالبيتهم، والفتيات منهم ليس لهن مسارات في التعليم الجامعي، بما يعني الحرمان من الوظيفة وتجميد إنسانيتهم، وإبقائهم في خانة -العالة-؟! انتهى. الحقيقة أن حقوق هذه الفئات أصبحت شعارات نطلقها بعيدًا عن الحقيقة والواقع، متى يتحرروا من قيود الإقصاء والتهميش، متى تحظى هذه الفئات بحقوقهم المشروعة، متى نعطيهم من دمائنا حتى يعيشوا بكرامة، أذكرك، وأذكر الجميع بما حصل في مراكز التأهيل الشامل لهذه الفئات من انتهاك للحقوق عندما أقدمت مجموعة من العمالة الآسيوية على ضرب شاب يعاني من التخلف العقلي بآلة حادة لامتناعه عن الطعام، والقضية الأهم التي قتلتنا الاختلاسات التي طالت أحد المراكز من أصحاب الضمائر الميتة والنفوس الشريرة، التي سرقت أموال فئات تستحق أن نعطيها من دمائنا، نعم يا أستاذة أسماء، كلماتك جاءت بلسمًا عندما تقولين.. إن هؤلاء بالذات يجب مضاعفة مكافأتهم نتيجة احتياجهم الماس للمُرافق الدائم والمُلازم لهم، وسط بيئة ليس لها أي علاقة بتسهيل حياة هذه الفئات، فضلاً عن التعامل بقسوة، وانعدام الإحساس بهم، وانتظارهم حتى يهدر ماء وجوههم، ويطالبوا بأبسط حقوقهم، وكأنهم ليسوا ضمن من يحملون مشاعر، ولديهم في حياتهم متطلبات.. انتهى. نعم إن الدولة -أعزها الله- وخادم الحرمين -أدامه الله، ومتّعه بالصحة- وفّر كل ما تحتاجه تلك الفئات، فلم تبخل الدولة بشيء، ولكن أكرر دائمًا ما قاله ذلك الفيلسوف: (إن العمل في أي مجال يطلب منك أن تكون موظفًا.. أمّا العمل في المجال الإنساني يتطلب منك أن تكون إنسانًا موظفًا). رسالة: نتطلع إلى التعامل مع ما يخص هذه الفئات في حقوقهم المشروعة بمزيد من الاهتمام، ومزيد من الصدق والذكاء في قراءة ما بين السطور، وتلمس مدلولات ما ترصده إبداعاتهم ليس بالعين المجردة وحدها، بل بحدقات عيونهم الموصولة إلى قلوبهم العامرة بحقوقهم.