تقسم حكومات العالم، في الوقت الحالي، إلى نوعين رئيسين، هما: الحكومات التمثيلية: وهي الحكومات التي اختارها أغلب شعبها، ورضائه عن أدائها مستمر. فهي تحت رقابته اللصيقة، ولا يملك أشخاصها (أشخاص السلطات الثلاث) إلا التفاني في خدمة المصلحة الوطنية العامة، وإدارة الدولة بموجب الدستور الذي ترتضيه غالبية الشعب المعني. وهذا النوع التمثيلي (الديمقراطي) يتجسد في الواقع، في ثلاثة نماذج، هي: الرئاسي، البرلماني، الجمعية. الحكومات غير التمثيلية: وهى عبارة عن معكوس النوع التمثيلي - تقريبًا. وفى الواقع توجد في هيئة ديكتاتوريات صريحة، أو في شكل ديمقراطي المظهر، ديكتاتوري المخبر. ولم يعد للتقسيم القائم على الشكل الدستوري الجمهوري والملكي أي معنى. ولا يمكن، في الحقيقة، فهم النوع التمثيلي إلا على ضوء فهم نقيضه غير التمثيلي... إذ إن فهم التمثيلي لا يتم إلا عبر فهم بديله غير التمثيلي؛ حيث إن محاولة فهم التمثيلي بمعزل عن فهم غير التمثيلي ستؤدي إلى سوء فهم مريع لكلا النوعين، ولكامل اللعبة السياسية. *** وبمناسبة هذه الثورات الشعبية العربية، ورغبة الشعوب الثائرة (المعلنة) في التحول من النوع غير التمثيلي إلى نقيضه (وبديله الوحيد) وهو النوع التمثيلي، فإن تساؤلات كثيرة يمكن أن تنشأ حول هذه الرغبة المعلنة، والتي يتم التأكيد عليها على مدار الساعة، في البلاد العربية التي شهدت - أو ما زالت تشهد - ثورات شعبية جارفة.. هدفها الرئيس هو: التخلص من حكوماتها غير التمثيلية (الديكتاتورية) وتبنى حكومات تمثيلية. ومن ضمن تلك التساؤلات: أي الأنواع الفرعية أنفع لغالبية البلاد العربية، من نوع الحكومات التمثيلية، هل هو: الرئاسي، أم البرلماني، أم الجمعية...؟! قبل محاولة الإجابة الموجزة على هذا التساؤل المهم، لا بد من تلخيص أهم خصائص كل من هذه الأنواع الفرعية.. ونكتفي بإيجاز أبرز ملامح كل نظام متفرع.. علمًا بأن النظامين الرئاسي والبرلماني هما الأكثر قبولاً وانتشارًا في عالم اليوم. *** (أولاً) - النظام التمثيلي / الرئاسي: وأبرز خصائصه هي كما يلي: - تكون هذه الحكومة (من حيث الشكل الدستوري) جمهورية فقط. ورئيس الجمهورية يتم انتخابه مباشرة من قبل الشعب لمدة معينة، قد تكون قابلة للتجديد لفترة واحدة أخرى معينة. وتكون لرئيس الجمهورية كامل صلاحيات التنفيذ. - “الفصل النسبي” بين السلطتين التشريعية والتنفيذية: حيث هناك تساوٍ في القوة والصلاحيات، وتحديد للاختصاصات، بين السلطتين. والرئيس (السلطة التنفيذية) لا يمكنه حل التشريع (البرلمان)... كما أن التشريع لا يمكنه عزل الرئيس. - رئيس الجمهورية يختار أشخاص السلطة التنفيذية: (الوزراء، وكبار المسؤولين التنفيذيين). ويعينوا بعد موافقة التشريع على كل منهم. وللرئيس عزل أي من أشخاص السلطة التنفيذية، متى شاء دون الرجوع إلى السلطة التشريعية. ولكن عند تعيين البديل تجب موافقة التشريع عليه. وإن لم يوافق التشريع، يرشح الرئيس غيره، وهكذا، حتى يحظى مرشح بالموافقة. - أشخاص السلطة التنفيذية غير مسؤولين مباشرة أمام السلطة التشريعية، وإنما تكون مسؤوليتهم أمام رئيسهم... رئيس الجمهورية، الذي يجتمع بهم، فرادى أو جماعات، للعمل - وقت ما يشاء. - غالبًا ما يكون لرئيس الجمهورية حق المصادقة على القرارات التي تصدرها السلطة التشريعية، ويكون له حق الاعتراض التوقيفي (الفيتو) المشروط على هذه القرارات. - السلطة القضائية مستقلة. *** (ثانيًا) - النظام التمثيلي / البرلماني: وأهم خصائصه هي: 1 - وجود ملك، أو رئيس دولة يسود ولا يحكم... أي ليس له صلاحيات، أو سلطات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية تذكر، وإنما منصبه مراسمي، أو رمزي. وهناك ملكيات وجمهوريات في هذا النوع. 2 - كون السلطة التشريعية (البرلمان) هي السلطة العليا في الحكومة. 3 - “الفصل المرن” بين السلطتين التشريعية والتنفيذية: حيث تملك السلطة التشريعية حق مساءلة السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء).. كما تملك حق حجب الثقة (أو منحها) عن السلطة التنفيذية. بينما للسلطة التنفيذية (ممثلة برئيس الوزراء) حق طلب “حل” السلطة التشريعية (البرلمان). 4 - السلطة التنفيذية “تنبثق” عن السلطة التشريعية، وفق نتائج الانتخابات البرلمانية. ومعظم، أو كل، أشخاص السلطة التنفيذية أعضاء في البرلمان، أي أن لهم صفتين: التشريع (في البرلمان)، والتنفيذ (في مجلس الوزراء). 5 - في حالة وجود مجلسين للتشريع، غالبًا ما يكون المقصود ب “السلطة التشريعية” (في النظام البرلماني) مجلس النواب فقط. - وجود “رئيس وزراء” يملك معظم صلاحيات السلطة التنفيذية... ويحظى بدعم الأغلبية في السلطة التشريعية، نتيجة لفوز حزبه، أو الأحزاب المؤتلفة معه، بالأغلبية (في التصويت الشعبي). - السلطة القضائية مستقلة. *** (ثالثًا) - حكومة الجمعية: وأهم خصائصها هي: 1 - تكون جمهورية، لها رئيس رمزي (يسود ولا يحكم) غالبًا ما يتم انتخابه - لمدة أربع سنوات - من قبل البرلمان. 2 - السلطة التشريعية (البرلمان) هي محور النظام، ومصدر بقية سلطاته. وهى تنتخب مباشرة من قبل الشعب، وتمثله. 3 - تعين السلطة التشريعية السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) وتخضع الأخيرة لإشرافها، ومساءلتها. 4 - بإمكان السلطة التشريعية أن تعفي السلطة التنفيذية، أو تغيرها، في أي لحظة. 5 - معظم أعضاء السلطة التنفيذية غالبًا ما يكونون أعضاء في البرلمان أيضًا. 6 - لا فصل مرن أو نسبي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. حيث ان السلطة التشريعية هي الأعلى، وتخضع السلطة التنفيذية لتبعيتها. 7 - السلطة القضائية مستقلة. *** يرى بعض علماء السياسة العرب أن “النظام التمثيلي الرئاسي” هو الأصلح لغالبية العرب... باعتبار وجود “رئيس” في هذا النظام، له كامل صلاحيات التنفيذ... ليكون “صمام أمان” لكل السلطات... وإن كان فردًا، لأن العرب: “جبلوا على ضرورة وجود قائد”...! وعلى عكس هؤلاء (وهم قلة) فإنني ممن يرون أن: النظام التمثيلي البرلماني هو الأنسب لغالبية العرب... على الأقل في المرحلة الأولى من التغيير... وذلك لعدة “أسباب”... لعل أهمها: 1 - ضمان عدم استبداد “الرئيس” بالسلطة، وانفراده بها... ومن ثم تحويل ما يفترض أنه نظام “تمثيلي” إلى “غير تمثيلي”... عبر “تعديل” الدستور، وإعادة تفصيله على مقاسات أطماع الرئيس وزمرته... وبما يؤدي إلى: إقامة ديكتاتورية جديدة... على أنقاض ديكتاتورية بائدة. وذلك حصل في أغلب الجمهوريات العربية. 2 - يمكن النوع البرلماني من استيعاب النظم الملكية والجمهورية. إذ لا يقتصر على الجمهوريات فقط - حال الرئاسي. *** والخلاصة، فإن النظام التمثيلي البرلماني يبدو أنه الأنسب، وبخاصة لكل من: تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والجزائر، بل حتى لبنان والعراق (وإن تحولا إلى فيدراليات). وأن عدم وجود “رئيس” قوي في هذا النوع من الأنظمة ربما يضمن عدم تكرار مآسي العرب السياسية المعروفة، والناجمة عن تواجد أولئك الرؤساء، الذين يصفون أنفسهم ب “الضرورة”... والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. والله الموفق. (*) أكاديمي وكاتب سياسي.