السودان كشجيرات السيال .. سميكة اللحاء حادة الأشواك .. تقهر الموت لأنها لا تسرف في الحياة ..عاش رغم الطاعون والمجاعات والحروب والفساد .. هكذا وصف الطيب صالح سودانه فى روايته العالمية « موسم الهجرة إلى الشمال «. سودان اليوم لم يكن قادراً على قهر الانقسام ، حيث فشل السودانيون وفرطوا فى جزء من خارطتهم وتاريخهم .. والسؤال اليوم ليس حول ما حدث وكيف ولماذا ؟ وهل ضحى الجنوبيون بكل التاريخ والجغرافيا والحياة وقبلوا البدء من أول السطر كما يقال . أم أنها ليست التضحية بل الإرادة السياسية فى دولة أخرى تحقق ما فشل فيه حكام الشمال من احتواء التنوع الإثنى والعقائدى والثقافى .. أسئلة اليوم وغداً وبعد غدٍ هي: هل تحققت الدولة الحلم ؟ هل تقوم فى الجنوب دولة قابلة للحياة وتمتلك مقومات البقاء ؟ هل تشكل إضافة للإقليم أم تضيف له عنصر قلق جديد فى وقت لا يحتاج المزيد منه ؟ ما شكل العلاقة بين دولتى الشمال والجنوب وما شكل علاقة دولة الجنوب الوليدة بكل فضائاتها العربية والإفريقية والدولية ؟ وهل ستعتبر إسرائيل إحدى فضائاتها ؟ هل هى فعلاً دولة التنوع أم دولة مسيحية رغم أن مسيحييها لا يتجاوز خمس عدد السكان حسب الإحصاءات المتوفرة وغير الموثوق فى دقتها ؟ ما مصير الجنوبيين فى الشمال والشماليين فى الجنوب؟ بعد غدٍ السبت سوف تدق الأجراس وتعد الولائم ويعزف النشيد الوطنى معلناً ولادة جنوب السودان الدولة الإفريقية الخامسة والخمسين دون أن يعرف هل ستكون هى الدولة العربية الثالثة والعشرين أم لا .. والإجابة على السؤال لا يعرفها العرب ولا سودانيو الشمال فهل يكتبها سودانيو الجنوب؟. قنابل موقوتة جاهزة للانفجار عقب انتهاء مراسم الاحتفال بعد غد السبت موعد السودان والعرب والعالم مع جنوب السودان.. الدولة الوليدة ومعها خريطة جيو إستراتيجية جديدة للقرن الإفريقى .. هذه الخريطة الجديدة تثير تساؤلات حول الدولة الجديدة، وهل ستكون عنصرا داعما للاستقرار الاقليمى، أم توتر إضافي يكرس حالة عدم الاستقرار الذى لم يبرح المنطقة على مدار عدة عقود مضت، والتساؤل متواصل حول طبيعة العلاقة بين الدولة الجديدة والسودان الأم «السودان القديم». و يرى رئيس بعثة حكومة جنوب السودان بالقاهرة الدكتور فارمينا مكويت منار إن جنوب السودان هى دولة افريقية متعددة الأعراق والديانات تسعى إلى إدارة التنوع الذى فشلت فيه الدولة السودانية الاتحادية بإصرارها على «عروبة وإسلامية السودان» المتنوع الديانات والأعراق والهويات، مما دفع الجنوبيون إلى اختيار خيار الانفصال، مشيراً إلى أن الجنوب إفريقى الهوية وغالبية سكانه من غير المسلمين مما جعلهم يعيشون التهميش على مدار عقود عديدة، والذى انتهى إلى الانفصال من أجل إقامة دولته التى يسعى إلى ان تحقق كل أحلامه، ويشعر بذاته. وقال فارمينا : الجنوبيون سوف يستثمرون خبرة الفشل فى إدارة التنوع الثقافى والإثنى والدينى وينطلقون من المواطنة لكل أبناء الجنوب وعلى المساواة بغض النظر عن العرق والدين والثقافة ،كما يسعى الجنوبيون إلى التواصل الايجابي مع محيطهم الاقليمى وخاصة مع الأشقاء فى السودان وباعتبار المصلحة تقتضى ذلك حيث أنه ليس من مصلحة الشمال أو الجنوب القطيعة والعداء . وأضاف أن الاعتبارات الاقتصادية تقتضى استمرار العلاقات الايجابية بين الشمال والجنوب حيث ان الجنوب سوف يصدر النفط وباقى منتجاته عبر الشمال ومن مصلحة الشمال دعم الجنوب لأنه سوف يستفيد من مرور السلع والخدمات من وإلى الجنوب . وأوضح فارمينا أن إعلان قيام دولة الجنوب لا يعنى القطيعة مع العالم العربى ونحن حريصون على علاقاتنا العربية وخاصة الشقيقة مصر وأن دولة الجنوب سوف تدعم أمن واستقرار مصر وأمن واستقرار السودان الشمالى ،وسوف تكون عنصر إضافة للسودان ومصر فى قضية مياه النيل ومن منطلق أن مياه النيل منحة لكل دول الحوض ويجب التعاون بينهم لتحقيق الاستفادة لصالح شعوب الحوض. وأوضح المسؤول الجنوبى أن دولة جنوب السودان تمتلك كل مقومات الدولة والكوادر القادرة على إدارة شؤون البلاد ،موضحاً أن حكومة الجنوب ومنذ الإعلان عن نتائج الاستفتاء أرسلت بعثات للتدريب فى مختلف دول العالم وقمنا بإرسال وفد للتدريب الدبلوماسي فى مصر، وأنهى فترات التدريب بنجاح ،وكذلك تم تدريب كوادر فى الإعلام والقضاء فى مصر وبعثات أخرى تم إرسالها إلى كثير من دول العالم ،علاوة على الخبرة المكتسبة من خلال فترة الحكم الذاتي للجنوب والتى تمتد لأكثر من عشر سنوات ،خاصة منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل وحكم بعدها الجنوبيون أنفسهم بصورة كاملة ولم ينهار الجنوب طوال هذه السنوات. وأشار إلى أن الجنوبيين عقدوا عدة مؤتمرات لصياغة دستور جديد للجنوب وبمشاركة كل الطيف السياسى الجنوبى. أما رئيس وحدة أبحاث السودان بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور هانى رسلان فيتوقع أن تواجه دولة جنوب السودان تحديات كثيرة ،وسوف يفاجأ الجنوبيون بهذه التحديات بعد الاحتفال بقيام الدولة وانتهاء المراسم وذهاب نشوة الفرحة ،وبعدها سوف يواجه الجنوبيون الواقع بكل تعقيداته وتحدياته ،ويرى رسلان أن أخطر التحديات التى تواجه دولة الجنوب بعد الانفصال يتمثل فى الاقتتال الداخلى فى الجنوب وهو اقتتال بدأ منذ فترة وفشلت حكومة جنوب السودان فى احتوائه وحل مسبباته وهو مستمر حتى الآن فى ثلاث ولايات من ولايات الجنوب العشر ومرشح للتوسع فى مرحلة ما بعد إعلان الدولة ما لم يتم التحرك لإيجاد حل سياسى للتمرد وتوسيع المشاركة فى دولة الجنوبالجديدة ،كما يرى رسلان أن من التحديات التى تواجه دولة الجنوب أيضاً ندرة الكوادر الفنية القادرة على إدارة شئون البلاد . ويضيف رسلان أن عدم التوصل إلى حلول للمشاكل العالقة بين الشمال والجنوب يفتح الباب لكل الاحتمالات ومنها عودة الصدام المسلح بين دولة جنوب السودان ودولة شمال السودان وأن عودة الحرب بين الشمال والجنوب سوف يكون كارثياً ،ولاسيما أنه سيتم تدفق السلاح لدولة الجنوب وسوف يشكل خطراً على الشمال والجنوب وبنفس القدر ،ويزيد من مخاطر عودة الحرب بين الطرفين ،أن محاولات الوساطة فشلت فى إيجاد حل للازمات العالقة خاصة ما يتعلق بالنفط والحدود ومنطقة آبيى . وقال رسلان : التحديات لن تتوقف عند هذا الحد وهناك تحديات كثيرة ومتنوعة تنتظر دولة الجنوب مثل غياب مفهوم الدولة عند المواطن الجنوبى وأن ولاء المواطن الجنوبى للقبيلة وليس للدولة وتفشى الانقسام الاثنى الحاد بين القبائل المسيطرة وخاصة قبيلتى الدينكا وهى أكبر القبائل فى الجنوب وقبيلة النوير ثانى أكبر القبائل الجنوبية يتواجد بأراضيها معظم النفط فى الجنوب وترى أنها تملك النفط وأن ما تأخذه حكومة الجنوب هو ليس مستحق ويوزع على قبيلة الدينكا وأن معظم قيادات حكومة جنوب السودان تنتمى للدينكا وتنفق عائدات نفط النوير لصالح الدينكا ،وهذا يشكل تحدياً يتقاطع مع تحدى آخر يتعلق بتصريحات الرئيس البشير بوقف تصدير النفط الجنوبى ما لم يتم الاتفاق على صيغ مقبولة بين الشمال والجنوب حول عائدات النفط . وعن هوية دولة الجنوب قال رسلان أنها هوية افريقية مسيحية رغم عدم وجود إحصائيات رسمية معتمدة ومحايدة عن أعداد المسيحيين والمسلمين فى جنوب السودان مشيراً إلى أن آخر إحصائية رسمية كانت فى عهد الرئيس السابق جعفر نميرى وجاء فيها ان المسيحيين يمثلون 16 % من سكان الجنوب والمسلمون يمثلون 18 % من السكان ولكنها إحصائية قديمة من ثمانينات القرن الماضى . وعن المعونات الدولية لدعم دولة الجنوب قال رسلان : هناك عدة مشروعات تمويلية لبرامج التنمية فى جنوب السودان مثل خطة الإعمار الأمريكى للجنوب وتقدر بمليارى دولار وهو مبلغ متواضع بالنظر لاحتياجات الجنوب وسبق ان حصلت حكومة الجنوب على مبلغ عشرة مليارات دولار قيمة حصتها من بيع النفط السودانى ولم تستثمر هذه المبالغ. ممثل الشمال : لا تغلبوا الأجندات الخارجية.. وممثل الجنوب: حوار وشراكة فى علاقة معقدة يمثل إعلان دولة جنوب السودان تحديا حقيقيا لدولة شمال السودان نظرا للعلاقة المضطربة بين شمال السودان وجنوبه، واستمرار القضايا الخلافية عالقة فى سماء الدولتين مما يخلق فضاء رحبا للمشاكل فى المستقبل وخاصة أن كثير من القوى الدولية والاقليمية متورطة فى هذه المشاكل وتحاول العبث بأمن واستقرار السودان شماله وجنوبه . «المدينة « ناقشت العلاقة الملتبسة بين الشمال والجنوب ورؤية حزب المؤتمر الحاكم فى السودان لهذه العلاقة و آفاق المستقبل لهذه العلاقة على ضوء المشاكل العالقة بين الطرفين مع رئيس مكتب المؤتمر الوطنى السودانى بالقاهرة الدكتور وليد سيد ورئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان نصر الدين كشيب . فى البداية أكد وليد أن النظرة الإستراتيجية لحكومة الخرطوم تقوم على تعزيز السلام والاستقرار بين دولتى الشمال والجنوب والعمل على ديمومة السلام والاستقرار ،وانه من منطلق هذه النظرة الاستراتيجية فضلنا العيش فى دولتين بسلام على العيش فى دولة واحدة تحوطها المشاكل وتواجه حالة من عدم الاستقرار ،وبسبب هذه النظرة الاستراتيجية خاضت حكومة الخرطوم مفاوضات شاقة مع الحركة الشعبية حتى وصلنا الى اتفاقية السلام الشامل وإنهاء الحرب التى استمرت لعقود بين الشمال والحركة الشعبية، وايضا صبرنا على كل استفزازات ومرواغات الحركة الشعبية من أجل الحفاظ على دعم السلام، وقبلنا نتائج الاستفتاء ،وسوف ندعم دولة الجنوب من اجل دعم السلام والاستقرار ومن منطلق أن دولة ضعيفة وغير مستقرة فى الجنوب تعنى آثار سلبية على دولة الشمال وأن تعافى دولة الجنوب من المشاكل يصب فى مصلحة دولة الشمال ويخدم مصالحها . واضاف الدكتور وليد ان الحفاظ على ديمومة السلام بين الشمال والجنوب يتطلب بناء جسور التواصل الاقتصادى ومن خلال دعم التجارة البينية بين الجانبين والحفاظ على استمرار تدفق نفط الجنوب الى الاسواق العالمية،وخاصة ان العملة الموحدة التى يستمر التعامل بها ستة أشهر سوف تكون رابط اساسى بين الدولتين ،مؤكداً على ضرورة بناء جسور التواصل الأمنى، ولاسيما أن الدولتين سوف تربطهما أطول حدود مشتركة تمتد لمسافة 20 ألف كم ولابد من الحفاظ على مناطق التماس وقبائل التماس. وقال أننا ننصح حكومة الجنوب أن تنطلق من مصالح وطنية تخدم المواطن الجنوبى وان تصم أذنيها عن الاجندات الخارجية ، وأن تتوقف عن دعم ومساندة حركات التمرد فى دافور وجنوب كردفان وان تغلق معسكرات التدريب والتمويل لهذه الحركات، وايضا على الحركة الشعبية أن تتوقف عن فرض ولايتها على القطاع الشمالى للحركة الشعبية وأن تدرك أن القطاع الشمالى بات فى دولة اخرى ويتعامل وفق منظومة العمل السياسى الحاكم فى الشمال، ويجب حل المليشيات المسلحة التابعة لقطاع الشمال فى جنوب كردفان وخاصة بعد توقيع اتفاق الشراكة بين المؤتمر الوطنى والقطاع الشمالى فى الحركة الشعبية وهو الاتفاق الذى وقع عليه كل من الدكتور نافع على نافع والدكتور ياسر عرمان فى اديس أبابا وبمقتضاه يجب أن يتحول القطاع الشمالى الى حزب سياسى وان يقدم أوراقه لهيئة التنظيمات السياسية فى الخرطوم . على الجانب الآخر يرى رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان بالقاهرة نصر الدين كشيب أن قيام علاقات آمنة بين الشمال والجنوب يتطلب احترام كل من الخرطوموجوبا الجوار والتاريخ المشترك والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين ،وأن يتم احترام سيادة كل طرف وعدم التدخل فى شئونه الداخلية. وأضاف كشيب أن الوقت يتطلب من الشمال والجنوب سرعة التوصل إلى حل القضايا العالقة حتى لا يترك الطرفان فرصة للتوتر. وأشار إلى أن العلاقات بين دولة جنوب السودان والسودان الشمالى ستكون علاقة إستراتيجية بحكم المصالح المتبادلة بين الطرفين ،وقال : لا مجال للخلافات على الاتفاق الأخير الذى تم فى أديس أبابا بين حكومة جنوب السودان وحكومة الخرطوم والذى وضع أسساً لحل كل القضايا العالقة بين الطرفين وسوف يستمر الحوار والشراكة الإستراتيجية بين الأشقاء فى الشمال والجنوب . وقال شكيب : الحركة الشعبية تغلب الحوار لحل كل المشاكل كما حدث فى أزمة أبيى منذ دخول القوات الشمالية للإقليم. ووصف العلاقة بين الشمال والجنوب ستكون معقدة بقدر تعقيد الأزمات التى يتعرض لها السودان شمالا وجنوبا ولكن يبقى الحوار والشراكة هما الأساس لتجاوز كل الخلافات فى المستقبل وذلك لقناعة الطرفين بان السلام خيار استراتيجي ويلتزمان به، كما أن توصل الحركة الشعبية لتحرير السودان ( قطاع الشمال ) والمؤتمر الوطنى إلى اتفاق أديس أبابا وبحضور رئيس جنوب إفريقيا موبيكى حول أزمة النيل الأزرق وجنوب كردفان سوف يقلل من أية توترات بين الشمال والجنوب فى المستقبل ، وان الشراكة بين المؤتمر الوطنى وقطاع الشمال للحركة الشعبية سوف يدعم الشراكة الإستراتيجية بين شمال السودان وجنوبه وسوف يكون قطاع الشمال حلقة وصل بين الشمال والجنوب ويقوم بالتدخل والتهدئة بين جوباوالخرطوم وتوقع أن تغلب حكومتي الشمال و الجنوب العقل فى التعاطي مع الأزمات كما حدث مع أزمة آبيى والعمل على تطبيق الاتفاقيات واللجوء إلى الوسائل السياسية والقانونية لمعالجة القضايا الخلافية. «فوبيا» القاعدة و»مؤامرات« إسرائيل.. مخاطر تواجه مسلمي الجنوب جنوب السودان أحدث دولة يعترف بها المجتمع الدولي بعد غدٍ السبت، وسيكون إعلان الدولة نهاية لفصولٍ طويلةٍ من النزاع الملتبس بالعرق و الدين و الهوية الذي ربطها بالدولة الأم «جمهورية السودان» التي ستصبح جارتها الشمالية، وعلى امتداد عقود طويلة ظلّ الإسلام رقمًا محسوبًا على الشمال لدى الجنوبيين، واتسمت كل المعلومات حول وجوده في الجنوب بالضبابية حينًا و بالندرة حينًا آخر وتكاد تنعدم في غالب الأحيان ، وبإعلان قيام دولة الجنوب ،باتت قضية مستقبل الإسلام فى الجنوب قضية محورية تتطلب محاولة جادة لاستشراف مستقبله في دولة جنوب السودان و البحث عن تأريخه و تراثه، رموزه وشخصياته، تصوفه و سلفيته، حركيته وخلافاته، حتى مخاطر التطرف والإرهاب، وحتى الأصوات المسيسة له «الإسلام الحركي». وتنطلق الخارطة التاريخية للإسلام في جنوب السودان من خارطة الإسلام للسودان القديم بدياناته المختلفة والسلطنات المتعاقبة التي قامت فيه على امتداد تاريخه، فيما تنطلق خارطة الإسلام فى جنوب السودان من قبائل الجنوب وأنماط حياتها قبل دخول الأديان السماوية، خاصة القبائل النيلية (الدينكا، النوير، الشلك)، و القبائل النيلية الحامية مثل الباريا، والتوبوسا والتوركاتا، والمجموعة السودانية مثل الزاندي التي ساهمت في دخول الإسلام إلى جنوب السودان. وجاء إنشاء «المجلس الإسلامي لجنوب السودان» ليدشن مرحلة جديدة للوجود الإسلامي فى جنوب السودان وبشكل مؤسسى ورسمى في وجود اتفاقية جديدة قننت وضع المسلمين في دولة علمانية، واحتمالية كونهم أقلية إذا استندوا على التقسيم الديني، ويوجد فى جنوب السودان الكثير من المؤسسات التي تُعنى بتمثيل المسلمين في الجنوب، سواء الهيئة الإسلامية لجنوب السودان أو غيرها مما ترعاه الخرطوم، أو تلك التي أقرّها الراحل الدكتور جون قرنق دي ما بيور منذ 1992، المتمثلة في المجلس الإسلامي للسودان الجديد الذي استمر إلى أن أقرّ الدستور الجديد في بدايته تم تحويل كل المؤسسات الدينية إلى منظمات المجتمع المدني ورفعت الدولة يدها عنها، واستمرّ الحال حتى إعادة تشكيل المجلس في 2008 برعاية الحركة الشعبية وحكومة الجنوب، ولكن المنازعة على القيادة بين الطاهر بيور والمهندس محمود الحاج يوسف قد تفقده دوره فى المستقبل إذا لم يتم حسم الخلاف . ويرى الدكتور سلام باب الله، أن شعب جنوب السودان مرتبط بجيرانه شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، خاصة التجار العرب، ومرّ على مرحلة الاستعمار وما أشعلته من بؤر الصراعات، مؤكدًا أن أسلافه اعتنقوا الإسلام عن قناعات تامة بالإسلام، مشيرًا إلى أن بعض سياسات «الاستعمار» مثل قانون المناطق المغلقة في عام 1922، و سياسات الإبعاد للمسلمين والتخلص من الهوية الإسلامية لم تقهر الإسلام فى جنوب السودان . ويرى بعض الخبراء ان شكل ومستقبل الدولة الوليدة في الجنوب وتوجهاتها سوف يحدد مستقبل المسلمين فى جنوب السودان وسوف يحدد حجم مشاركتهم فى الحياة السياسية فى الدولة الجديدة وخاصة فى مزاعم يتم ترويجها من قبل جهات خارجية. وتثير المخاوف من ان الوافدين الجدد إلى دولة جنوب السودان و احتمال تشكيلهم خلايا للقاعدة ، قد يدفع بالدولة الوليدة إلى العنف ضد المسلمين بدون تمييز. كما أن قيام علاقات بين دولة الجنوب وإسرائيل قد يكون عنصر جذب لأنصار القاعدة للقدوم الى دولة الجنوب وممارسة العنف ضد التواجد الإسرائيلي بشكل يجعل جمهورية جنوب السودان هدفًا للقاعدة، بوصف عملياتها محاولةً لتصفية الوجود الغربي، وأيضاً يمكن استغلال القاعدة للمظالم المتوقع حدوثها مع المرحلة التالية لإعلان الدولة مثل تمييز ديني يستهدف المسلمين . جنوب السودان.. من أول السطر قصة الجنوب مع الانفصال ومن أول السطر ليست وليدة تمرد الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الراحل جون قرنق لكنها بدأت قبله بسنوات ولم يتنبه لها أبناء السودان الغافلون . وتشير الدراسات السياسية إلى أن انفصال الجنوب هو مسئولية كل أبناء السودان شمالا وجنوبا .. ومنذ مرحلة ما قبل الاستقلال، وليس مسئولية الإنقاذ وحكم البشير وتشارك فى تحمل المسئولية كل الأحزاب التاريخية فى السودان من قبل حكم الإنقاذ وبعده. كما شاركت فى الأمر أطراف دولية وإقليمية منذ انطلاق التمرد فى العهد العثمانى وبدء عمل الإرساليات التبشيرية إلى جنوب السودان ،وبدأ أول تمرد حقيقى فى الجنوب فى أغسطس عام 1955 بإنشاء الفرقة الاستوائية والتى كان هدفها منع انتشار الإسلام فى القارة الإفريقية ، وسبق إنشاء هذه الفرقة عدة قرارات من الحاكم الانجليزي للسودان مثل قرار عام 1922 والذى بمقتضاه باتت الجنوب منطقة مغلقة ، وشهدت الفترة 1936 1945 عدة إجراءات مثل تهجير التجار الشماليين من الجنوب، وبعدها تم إنشاء حزب «سانو» من الكونغو ولعب دورا فى توتر الأوضاع فى الجنوب، ثم جاءت حركة جوزيف لاقو والانانيا 1، ومن ثم جاءت حركة تمرد 1955 1972 وقبل أن تنطلق حركة التمرد الثانية بقيادة جون قرنق1981. واستمر الحال بين كر وفر بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومات السودانية المتعاقبة وصولا الى مبادرة «الإيجاد» التى استمرت سنوات طويلة قبل أن تفضى إلى اتفاقية نيفاشا 2005 وبدء تنفيذ المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى استفتاء يناير 2011 وانتهاءاً بالمرحلة الأخيرة لقطار التمرد فى 9 يوليو وإعلان قيام دولة الجنوب. نصف قرن من الزمان تداخلت فيه الأطراف الدولية والإقليمية والقوى السياسية الداخلية، ودفعت جميعها بالأوضاع إلى الوصول الى محطة الانفصال وإعادة صياغة المعادلة من جديد، وربما قد تفضى إلى ارتدادات قد لا تبقى حبيسة حدود السودان القديم وقد تتواصل ارتداداتها إلى السودان المقسم شمالا وجنوبا . السودان «الجديد»: 9 ملايين نسمة بينهم 8.7 ملايين فقير ونازح بدأت عمليات نزوج الجنوبيين من السودان الشمالى إلى دولة الجنوبالجديدة منذ إعلان نتائج عملية الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب والذى جرى فى يناير الماضى ،وصوت الجنوبيون بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال والذى يدخل حيز التنفيذ فى التاسع من يوليو الجارى . ويقدر عدد سكان دولة جنوب السودان بحوالى 9 ملايين شخص وتتكون خريطة الجنوب السكانية من خليط من القبائل وهى :القبائل النيلية ويمثلها قبائل الدينكا والنوير والشلك ، ومن القبائل النيلية الحامية وتشمل قبائل الديدنجا البويا التبوسا الأتوكا، وأيضا من قبائل السودانيين وتضم قبائل : الزاندى البااى النيانجورا الماندى النوجلو المورو اللالوبا . ويعيش 80% من الجنوبيين تحت خط الفقر (حوالى 7.2 مليون نسمة)، علاوة على وجود مليون ونصف المليون نازح فى شمال السودان وكينيا وأوغندا وإثيوبيا ومصر. وتقدر مساحة دولة جنوب السودان بحوالى 700 ألف كم تعادل 28% من مساحة السودان الموحد والتى تقدر بحوالى 2.5 مليون كم ، وللجنوب حدود مع 6 دول هى السودان الشمالى وأثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وإفريقيا الوسطى . ويتحدث سكان الجنوب بأكثر من 12 لهجة محلية واللغة الرسمية هى الانجليزية، والعاصمة جوبا وهى أكبر مدن الجنوب ،والعملة ولمرحلة مؤقتة ( الدولار الأمريكى والجنيه السودانى ) وحتى يتم سك عملة جديدة ونفاد مخزون العملات من الجنيه السودانى . وبعد إعلان نتيجة الاستفتاء ، عكف الجنوبيون على كتابة نشيد وطنى لهم مختلف تماما عن النشيد الوطنى الشمالى. سودانيو الجنوب متمسكون بالبقاء في جمهوريتهم بالقاهرة: «التبة« أكثر أماناً أشاح المتوكل شوكان بوجهه منصرفاً إلى عمله، وقال : الآن لن أعود .. لا توجد دولة.. ليس هناك سوى الخطر. والمتوكل واحد من آلاف السودانيين الجنوبيين الذين نزحوا إلى مصر هرباً من حرب اندلعت بين الشمال والجنوب،ولم تضع أوزارها رغم كل اتفاقيات السلام .. وكانت منطقة «التبة» الواقعة في حي مدينة نصر(شرق القاهرة) التي تجمع فيها المتوكل وغيره من الجنوبيين تعتبر دولة لهم حيث عاش فيها الباحث عن رزق يوما بيوم والحرفي الذي يرسم على الزجاج وسيدة الحناء التي تطبع الوشم على أيادى النساء السودانيات والمصريات على السواء ورجال الأعمال الذين استثمروا أموالهم في مطاعم المأكولات السودانية والمقاهي والمتاجر والى جوارها أنشأت الأممالمتحدة المدارس لهم. وأثناء جولتنا في «التبة» أو جمهورية جنوب السودان في القاهرة كما يسميها السودانيون والمصريون وجدنا النازحين كما هم، حيث كانت لنا زيارة سابقة للمكان قبل حوالي العام. ويقول ماكين زلفا :القاهرة أكثر أمنا .. أنا لست سياسياً ولا من أبناء الحركة الشعبية .. وجئت نازحا من أطراف الجنوب ولست من جوبا العاصمة إذن لماذا أعود؟ ومن أجل ماذا؟. ومن الواضح أن حلم الجنوبى بدولته لم يبرح مرحلة الحلم فهو ليس مستعداً للتضحية باستقراره من أجل وطن غير مستقر أو على الأقل مجهول بالنسبة له . ويبلغ دخل دوميكان الشهرى هو وأسرته حوالى 400 دولار « ما يعادل 2400 جنيه مصرى» حيث العمل متاح سواء كان حرفة أو وظيفة فى مطعم أو سوبر ماركت يملكه جنوبى مثله ولذلك قال إنه لن يعود الآن .. وربما يرجع للوطن الحلم يوماً ما.. لكن ليس الآن . ولا تختلف معه إيمان ولفى التي حجزت تذكرة سفر إلى جوبا بمفردها ودون أسرتها لتشارك فى حفل إعلان الدولة الحلم بعد غدٍ السبت لكنها سترجع بعد الحفل إلى القاهرة وإذا وجدت الأوضاع مستقرة ربما تفكر فى أخذ أسرتها للعيش هناك فيما بعد . ويبدو سيلفا باتير أكثر حماساً فقد اتخذ قراره النهائى بالعودة إلى الوطن بعد الحفل .. ويقول : الجنوب لن يبنى إلا بسواعد أبنائه . ويتفق معه عاطف شيرى «الذى يبدو من اسمه وكأنه مسلماً إلا أنه رفض الإفصاح عن هويته « ويتساءل لماذا قلنا جميعاً يوم الاستفتاء نعم للانفصال إذا لم نكن مستعدين للعودة وتعمير الجنوب. وليس لدى السلطات المصرية أى خطط لتطوير التبة حسبما قال مسؤول بحى مدينة نصر، موضحا: يبدو أن الأوضاع ستبقى على ما هى عليه لفترة ليست قصيرة.