مطلع حديثنا عن تطورات المشهد السوري ومستقبل الثورة الشعبية سيكون حول عقد ما سُمي بمؤتمر المعارضة في فندق سميراميس في دمشق بينما سماه المنظمون اللقاء التشاوري الأول للمعارضة المستقلة , وفشل هذا المشروع وضح من خلال محاولة النظام استثماره لفك الضيق الخانق عليه وهو دليل على قوة الإرادة الشعبية الممثلة بالثورة السورية وقيادتها المركزية – اتحاد التنسيقيات العام للثورة السورية – المتواجدة بفعالية في كل مدن ونواحي القطر والفاعلة في ميدان التوجيه والإعلان العام للثورة السورية . فلم يكد المؤتمر يُختتم حتى حركّت الجماهير حشودها في العديد من المدن للتنديد بالمؤتمر وإعلان الرفض الشعبي له ولم ينتظر المتظاهرون يوم الجمعة بل بادروا لإعلان الرفض قبل انعقاد المؤتمر وبعد صدور بيانه واختتامه , ثانياً رفض اثنين من ابرز قيادات معارضة الداخل وهما شيبة الحقوق الأستاذ هيثم المالح والأستاذ حسين عودات المشاركة ثم لحق بهم الأستاذ عارف دليلة قبل انعقاد المؤتمر , ولقد قرأتُ أكثر من مقال للأستاذ إياد شربجي احد المشاركين في المؤتمر أعطت خلاصات تفصيلية بأن النظام كان يمارس نشاطاً محموما من داخله وحَضّر شخصيات في المؤتمر لم تكن مدعوة وفرضها على الحضور وأجرى معها لقاءات إعلامية , ومع أن الأستاذ شربجي له رأي في استثمار المؤتمر للحقوق الوطنية إلاّ انّه أوضح بجلاء أنّ النظام اضطر لذلك لمصالحه . وهي المصالح التي جعلت النظام يسعى للمبادرة إلى فسح المجال داخليا بعد وصوله إلى نقطة اضطراب كبيرة ولكن هذا الفسح كان هلامة إعلامية , دخل فيها النظام في كل زخم من المؤتمر بشهادة المشاركين وجعلها زفة إعلامية لتصوير القبول من قبل أطراف في الداخل بمرحلة انتقالية. ومع أنّ المشاركين المستقلين قالوا أنهم رفضوا أن يُسلّموا وأعلنوا مطالبتهم بسحب القوات الأمنية إلاّ أنهم اعترفوا بان الزخم الإعلامي الذي فرضه النظام هيمن عليهم في دلالة على عبثية المشهد حقوقيا وصناعته لفسح أجواء مع المعسكر الدولي لتخفيف اختناق الداخل مع استمرار عملية القتل اليومي , لكن مشكلة النظام المتزايدة والتي حركّت تهديدات جديدة من إيران وحزبها في لبنان لصالح النظام ضد كل الأطراف الإقليمية الأخرى العربية والتركية اصطدامه دائما بقوة الإرادة الشعبية وقيادتها الثورية , هُنا مأزق النظام الذي واجه انهيار مشروع سميراميس من الداخل قبل أي جهة أخرى وفَرضت الإرادة الوطنية للثورة موقفها على عموم المشهد وأحرجت المشاركين الذين ظهروا بصورة سلبية أمام دماء الشهداء وقيادة الحركة الشعبية . هنا تنطلق الصورة مجدداً أمام العمق العربي والإقليمي والدولي لكن العرب هم في ميدان المسئولية والتأثّر رغم موقفهم السيئ من الثورة الشعبية وخاصة في ما جرى في جامعة الدول العربية وتسويفات وقلقيّات عمرو موسى المخجلة والدعم الذي قدمته بعض الأطراف العربية لرفض إدراج قضية الشعب السوري على جدول الجامعة , في كل الأحوال أضحى العرب يشاهدون من يَصعد في سلم التأثير وفَرَض إرادته رغم كل صنوف القمع ومع ذلك تتقدم الثورة السورية وهو ما يعطيهم دليلاً بان مستقبل سوريا الحيوي والمهم مع هذه الثورة وان مواصلة التجاهل والموقف السلبي معها مُضّر بمصالح الدول العربية قُطرياً وجماعياً . ولنلاحظ قضية مهمة في تطورات المشهد السوري : الأول تهديد وزير الخارجية فؤاد المعلم لتركيا وما اتبعه الإيرانيون بتهديد مماثل لأنقرة والحقيقة التي يحتاج العرب لإدراكها أنّ ما يخشى منه النظام وطهران ليس تدخلا عسكريا من تركيا فهذا مستبعد خاصة بان الموقف الأمريكي لا يتحمس أبداً لمساندة الأتراك في ذلك وليس هذا بمرجح عند أنقرة وحكومة العدالة , لكن ما يخشى منه النظام هو فتح تركيا لحدودها لتحقيق ميزان الدعم اللوجستي لمصلحة الثورة أو غضّ الطرف عنه وإنهاك النظام عبر تواصل الثورة مع حدود مؤمّنة لبعدها الإنساني والإعلامي والاغاثي للمدنيين , وهذا السيناريو بدا مخيفا بعد إصرار تركيا على نَجدة المدنيين السوريين وفتح ميدان الإغاثة لهم وتحوّل قضية اللاجئين إلى مشروع إدانة قائم , ولذلك فان اقتراب العرب وخاصة الدول المحورية مع هذا الملف التركي ومد اليد والاستماع للثورة السورية وممثليها المعتمدين في معارضة الخارج والتنسيقيات يعطي العمق الاستراتيجي بعداً عربياً مهماً للقضية . ثانيا : في هذا الملف العربي مع الثورة السورية هو ضرورة الفهم لاستراتيجية تهديد طهران وحزبها في لبنان ومن ذلك الرسالة الموجهة عن طريق مسئول إيراني عبر صحيفة الأخبار اللبنانية الأسبوع الماضي - بأنّ إيران ستستخدم أذرعتها في الخليج لنجدة النظام – فالحقيقة أن هذا التهديد الموجه لتركيا والخليج العربي هو علامة ضعف وارتباك لكن هو أيضاً مؤشر عن حيوية هذا التنسيق في تفعيل الأذرعة بتعبير المسئول الإيراني وهو ما على دول الخليج العربي أن تدركه بان سلامة هذا النظام وخروجه قويا هو سلامة لهذه الإستراتيجية التهديدية لأمنهم القومي وان أمامهم فرصة تاريخية لا تتطلب تدخلا عسكريا ولا تورطا بل فقط دعم المشروع العربي السوري الذي يتبناه الشعب بقيادته الثورية الديمقراطية التي تحمل مكنوزا من التعاون والاندماج مع وجودها العربي وحينما يهددك خصمك بالتهويش خشيةً من استثمارك الموقف لصالحك وتستجيب له فأنتَ تُهزم أمامه مرتين الأولى انك استجبت له فقد يتمكن ثم يتفرغ لك والثانية انك أضعت فرصتك لاغتنام الموقف لصالحك فزدت ضعفا وفقدت حليفاً ...فلينظر الخليج العربي إلى الثورة السورية جيدا وليقارنها بتهديد طهران وأحزابها.. أين مصالحه ومصالح العرب مع الأولى أم الثانية ..؟؟
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (36) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain)