من أبرز السياسات التي انتشرت في عصرنا الحاضر لدى بعض المؤسسات والشركات، سياسة التشليح، ورسالتها ملء خزانة تلك المؤسسات والشركات، دون مراعاة لظروف المواطنين. ما أتحدث به عن هذه السياسة مصادرها ومظاهرها، ليس من نسج الخيال، فالواقع يفضح هذه السياسة وأساليبها. ولعلنا جميعاً أخذنا نلمس آثارها في واقعنا اليومي، فمن منَّا لم يأته إشعار بفصل الماء عن داره إذا لم يسارع إلى تسديد المخالفات العجيبة التي بات يرصدها موظفو تلك السياسة، فكم مرة وجدنا تلك الإشعارات المدعمة بصور فوتوغرافية لتسرب قطرات الماء من تحت باب المنزل تسرباً لا يكاد يُرى بالعين المجردة، لكن الموظف المبدع الذي فرح بآلة التصوير التي أمدته بها جهته المصونة، وربما أعطته دورة عالية في التصوير، صرفت عليها مئات الملايين، بات هذا الموظف محترفاً في هذا العمل. أين هذه الهمّة العالية لهؤلاء الموظفين حين تنقطع المياه عن المنازل بالأيام، فيضطر المواطن إلى جلب الماء بالوايتات التي يتراوح ثمنها ما بين 180- 250 ريالاً أو أكثر للوايت حسب الموسم، ما يعني شفط بالوايتات وشفط من الجيوب؟!. أين هذه الهمّة العالية من المخالفات التي ترتكب في حق المواطن؟! فمن المسؤول عن تلك المياه الراكدة في الشوارع من جراء كسر في مواسير المياه، أليس من الضحك على المواطن إصدار فاتورة الماء ب (12) ريالاً في الشهر، ومرفق معها مخالفات ب (600) ريال بواقع (200) ريال للمخالفة الواحدة، وهذا ما حصل لإحدى صديقاتي، وحصل لي شخصياً، ولبعض معارفي. ما مقصد تلك المؤسسات والشركات التي سارعت بفتح مكاتب لها في مكان لجباية أموال المواطنين، وشعارها: ادفع أولاً ثم ناقش مشكلتك ثانياً؟ ولا يخفى على أحد أن معنى راجع أو ناقش مشكلتك هو فضفض عن نفسك ولكن لا أمل لك في رجوع أي فلس. ولا ننسى أن لشركة الكهرباء باعاً طويلاً وقدماً راسخة في عملية المغالاة في الفواتير، فأشهر الصيف تشهد على ذلك، حيث نلحظ هذه المغالاة بحجة أنه مع شدة حرارة الصيف يزداد استهلاك المواطن للكهرباء، حتى وإن كان المواطن خارج البلاد طوال تلك الأشهر، وقد اعترفت شركة الكهرباء ضمنياً بذلك، حين صرحت بأن هناك عدداً من الموظفين لا يقومون بقراءة العدادات فعلياً، وإنما يضعون أرقاماً من مخيلاتهم الخصبة. سياسة التشليح هذه أخذت تنتقل بطريق العدوى والغيرة من شركة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أختها.. حيث يأتينا نظام ساهر الذي اعتقدنا أنه ساهر ومرهق من مراقبة المخالفين لأنظمة المرور للقضاء على مشكلات الحوادث المرورية التي ذهب ضحيتها كثير من أبنائنا وهم في عمر الزهور، وفرحنا بهذا النظام واستبشرنا به خيراً، لكن يبدو أنه من شدة السهر أخذت الأرقام والحسابات تختلط في ذهنه، ما شوّه جمال هدفه، وأهَّلَهُ بكل جدارة لدخول سياسة التشليح، فكم سمعنا قصصاً عن الغرامات التي فُرضت على مواطنين لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ومن سياسة التشليح أيضاً ما نلمسه في رسوم الدخول إلى المطار التي لا أعلم بأي وجه حق تؤخذ من المواطنين الذين كثيراً ما يدفعونها بسبب الازدحام الشديد الذي يجبرهم على المكوث أكثر من (5) دقائق، بل إن الاصطفاف أمام صندوق دفع الرسوم يستغرق أحياناً أكثر من (5) دقائق. وأضف إلى ما سبق ما يجبيه مركز القياس من أموال طائلة من الأهالي، وتأمّل فتحه مجال تكرار إعادة الاختبارات برسوم جديدة، والأثر الإيجابي لذلك على سياسة التشليح. وليست شركات الاتصالات ببعيدة عن هذه السياسة، فكم بالغت في فواتيرها بحجة حدوث أخطاء فنية في الأجهزة.. إلى غير ذلك من الأعذار والمبررات التي لا تخفى على المواطن. حتى المطاعم ومراكز التسوق لم ترحم المواطن، إذ ترى بعضها يزيد مبالغ غير مستحقة على الفواتير لثقتها في حسن نية المواطن السعودي، وعدم مراجعته لفواتيره. ولعل هذه الشركات قد استلهمت سياستها هذه من شركات الصرف الصحي وما أدخلته لخزانتها من دراهم لا يمكن عدّها من جراء سياسة التشليح. هذا غيض من فيض، وإلا فالأمثلة لا حصر لها، استعن بذاكرتك لاستخراج العديد منها.. والخوف كل الخوف من تنامي تلك السياسة بعد صدور قرارات الإصلاح المعيشية التي لاشك سال لها لعاب بعض المؤسسات والشركات.. لكن الأمل في الله ثم في هيئة مكافحة الفساد.