جيل الرواد.. ذلك النفر الذي هيأ المشهد الفكري والثقافي والأدبي أمام الأجيال اللاحقة لتتابع المسيرة وتسعى لتحقيق النهضة المنشودة بالكلمة الواعية والصادقة والمستشرقة لآفاق المستقبل ولقد اصطبغت كتابات ذلك الجيل بالموسوعية التي تعد سمة من سمات روادنا الأوائل في فجر الحضارة العربية والإسلامية كالجاحظ، وابن قتيبة وأبي حيان التوحيدي، وأبي حامد الغزالي وابن خلدون وسواهم، وإذا كانت الأمم الأخرى تحتفل بين الحين والآخر بعطاء تلك الرموز وذلك للسمة الإنسانية التي طبعت بها الروح الإسلامية والتي سرت بوضوح في كتابات أولئك النفر من أدبائنا ومفكرينا وعلمائنا، واتساقاً مع هذا المنحى الحضاري وتلك الغاية النبيلة دأب نادي جدة الأدبي والثقافي على تكريم عدد من رموز الأدب والثقافة في بلادنا بدءاً بالرائد الكبير حمزة شحاتة، ومروراً بالعواد، وعزيز ضياء، وحسن القرشي، ومحمد الثبيتي، ووقع الاختيار في هذا العام على عالم اللغة المعروف الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار (1337- 1411ه) وقد تمكن المرحوم العطار من الانفتاح مبكراً على عدد من رموز الفكر والأدب واللغة في عالمنا العربي مثل: الأستاذ عباس محمود العقاد، ومحمد حسين هيكل، وعبدالسلام هارون، وأثمر ذلك الالتقاء عن مؤلفات هامة مثل تهذيب الصحاح، والصحاح ومدارس المعجمات العربية، والفصحى والعامية، والزحف على لغة القرآن، كما قدم العطار عملاً موسوعياً يعد مصدراً هاماً في تاريخ الأديان المقارنة وهو «موسوعة الديانات والعقائد في مختلف العصور»، وتنوعت إصدارات الرائد العطار من الشعر والأدب واللغة وعلوم الشريعة والتاريخ كما هو الحال في كتابه الهام عن تاريخ الجزيرة العربية والموسوم «صقر الجزيرة»، وختم حياته بكتاب هام في الدفاع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد من خلال هذا الكتاب على كل الدعاوى والتخرصات التي لم يكن من دافع وراءها سوى الحقد على خاتم الأنبياء والمرسلين ولسبب وآخر لم يفسح لهذا الكتاب في حياة هذا الرائد الذي يفترض عند احتفائنا به هذه الليلة برعاية الوزير الأديب معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة أن نتذكر السيدة الأديبة التي كانت في حياة هذا العلم الذي نفتخر به وأعني بذلك حرمه وأم أبنائه الرائدة «مزين حقي» فهي كانت في حياته كما كانت «ماما أسماء» في حياة الرائد عزيز ضياء، والإشادة بدور المرأة في حياة الأديب والمبدع هو مطلب تحث عليه مكارم الأخلاق ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة فلقد كان كثيرا ما يشيد بالسيدة خديجة بنت خويلد ومؤازرتها له في الشدائد ومن بعدها السيدة عائشة – رضي الله عنهما- عرفاناً من سيد الخلق بعطائهن في حياته وتشريعاً لأمته من بعده.