يعيد السيناريو المحتمل بإمكانية قيام الولاياتالمتحدة وحلفائها بتدخل عسكري في ليبيا، يعيد إلى الذاكرة قصة التدخل العسكري لواشنطن وحلفائها في العراق تحت مبررات وظروف كثيرة لا تختلف كثيرًا عن الحالة الليبية الراهنة، تحديدًا ما يتعلق بمبرر الإطاحة بالحكم الديكتاتوري في ليبيا مثلما كان الحال عندما سقطت بغداد بيد الاحتلال الأمريكي ربيع العام 2003 بهدف استراتيجي واضح هو الإطاحة بالديكتاتور العراقي صدام حسين. وقد وصل الأمر بالرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير -حينذاك- إلى القول: إن عزو العراق حقق الهدف المنشود منه، ووضعا ذلك ضمن شعار ظل يتردد لفترة طويلة بأن العالم بغير صدام حسين أفضل. المعارضة الليبية التي عبرت الثلاثاء عن رفضها لأي تدخل عسكري أجنبي على شكل قوات أرضية، وأن كل ما تطلبه من الغرب فرض منطقة حظر طيران، وقصف مواقع القوات الموالية للعقيد معمر القذافي للتخفيف من وطأة الهجمات التي تشنها قوات الجيش الموالية له، إلى جانب إمداد قوات المعارضة بالأسلحة. هذا الرفض القاطع، وما عبرت عنه تلك المعارضة بمطالبها المشروطة بألا يكون أي تدخل أجنبي ذريعة للاحتلال ونهب ثروات البلاد النفطية، يؤكد على وعي تلك المعارضة بمخاطر تكرار سيناريو التجربة العراقية في ليبيا، فيكون أكثر ما حققه الشعب الليبي بانتفاضته العارمة التي لا يزال يدفع ثمنها باهظًا حتى الآن من دماء أبنائه استبدال استبداد الديكتاتور باستبداد المحتل، وحيث لا يمكن بأي حال الجمع بين الديمقراطية والاحتلال تمامًا مثلما هو من المستحيل الجمع بين الديمقراطية والديكتاتورية. وتبدو المفارقة هنا في أن التدخل الأمريكي العسكري في العراق لم ينجح حتى الآن، في ضوء الأوضاع الراهنة، في جعل هذا البلد العربي الشقيق الذي أمضى ثلث القرن الأخير من تاريخه في الحروب والحصار والفتن وحمامات الدم، وسقط من أبنائه مئات الآلاف من الضحايا، في جعل العراق نموذجًا للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط الجديد، كما حاولت إدارة بوش السابقة إيهام العالم به، وهو ما تشهد به مظاهرات الاحتجاجات التي تعم أرض الرافدين مطالبة بالديمقراطية والإصلاح.