وراء كل طاغية جيش كبير من الطواغيت الصغار . الطاغية ليس مجرد فرد يستعبد الناس . الطاغية نتاج مؤسسة ضخمة اسمها مؤسسة الطغيان . ومفاتيح هذه المؤسسة هي بيد المثقفين . اسألوا التاريخ إن كنتم غير مصدقين . الطاغية دمية يتم حقنها جينيا من قبل المثقفين، حتى تصبح في حجم المارد، لكنه في الحقيقة مارد من هواء إذا نفخت فيه جموع شعبه طار في لمحة بصر . وهو ما شاهدناه مع الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر، ثم عن قريب في ليبيا بإذن الله . الطاغية أسطورة أقرب للخرافة .. أسطورة ليس فيها جماليات، ولا التقاء مع الواقع، ولا استلهام من القيم النبيلة، ولا تعبير عن خصوصية ثقافية ما . أسطورة الطغاة ركيكة وصناعها هم مجموعة من الأفاقين والمشعوذين فكريا . وهؤلاء هم المسؤولون الحقيقيون عن كل ما يرتكبه الطاغية من جرائم . الطاغية ليس صانعا للأكاذيب، بل هو ضحية لها مثله مثل كل المغرر بهم . فرعون نفسه لم تخطر بباله فكرة ادعاء الألوهية إلا بعد أن أوحى له بها هامان الذي كان رئيسا لوزرائه ووزيرا لإعلامه ورئيسا لمجلس نوابه ( ملأ فرعون ) . طواغيت القلم هم من يخدعون الشعب لحساب الطاغية، وهم من يخدع الطاغية لحسابهم الخاص . وهكذا تعيش تلك الأوطان بحكامها ومحكوميها، في منطقة معزولة عن كل ما يتصل بالحقيقة . منطقة شبيهة بالبحيرة الراكدة التي يتوالد فيها البعوض وتنتشر بسببها الملاريا . ورغم هذا الواقع البائس فإن طواغيت القلم يصرون دائما على إقناع الناس، بأن الشرب من مياه البحيرة يساعد على إطالة العمر، ويساهم في تقوية جهاز المناعة، ويدرأ أخطار أمراض المفاصل والعظام، ويؤدي إلى معالجة الأمراض الجلدية، ويساهم في شد البشرة وتجديد خلاياها . الكتاب الأخضر أو ما يحب القذافي أن يطلق عليه ( النظرية الثالثة )، هو أحد منتجات تلك البحيرة الراكدة . كثير من الشائعات تقول بأن المفكر الليبي الصادق النيهوم هو الذي قام بعملية التأليف كلها . شخصيا لا أحب أن أتهم أحدا ما لم يكن بحوزتي دليل قاطع، لكن كل المؤشرات تقول بأن القذافي لا يمكنه أن يضع كتابا بهذا العمق بغض النظر عن رأينا في مضمونه . طواغيت القلم هم صناع مؤسسة الطغيان الحقيقيون.