قبل ما يربو على عشرينَ عامًا انضمَّ إلينا بمُنتدى الينابيع الهجرية شاعرانِ مكتنزان بملامح إبداعية مشرقة طموحهما يمتدُّ أفقيًا ليكسو سماءً باتساع الأدب، وأفقًا بامتداد الدهشةِ، وفنًّا يُحركُ في النفس فنيتها كما قال عمُنا البردونِي.. ومراسًا ينمُ عن خبرةٍ إنْ أحوجها الزمنُ فلم يُعوزها خيالٌ رحبٌ وتجنيحٌ مُتقد وجودُهما أضفى على المنتدى عذوبةَ الألق من هنا مكانًا وزمانًا عرفتُ أنهما الرائعان العملاق جاسم الصحيح والمبدع السيد علي النحوي لأولهما حقٌ عليَّ عظيمٌ وتقصيرٌ مني تجاهه كبيرٌ ولكن لقابلِ الأيام شفيعٌ لي لأمنحه حقَّا واجبًا، واليوم أراه مُناسبًا للحديث عن الصديق النحوي بدفئه الإنساني وعبقهِ المتضوّع أرجًا فقد عرفتُه ابتسامةً مُشرقةً ووجهًا صبيحًا لا يعرفُ إلا البشاشةَ لقاءً، ربما لقاؤنا جسدًا قليلٌ لابتعادنا إقامةً ولكنه كافٍ لسبرِ غورٍ أدبٍ يمشي على رجليه، ووفاءً لأصدقائه بكل وداعةٍ وسمو خُلقٍ.. وجودُه يستحضرُ الدهشةَ فِي كل مكانٍ يحلُّ فيه.. لا أدري!! عندي خواطر كثيرةٌ في بُعدِها الإنساني عنه ولكن لا أُريد الإطالة خوفَ سوء ظنٍ يتغشاهُ اتهامٌ بالنفاقِ أو حُسن ظنٍ يعتمرُه رَجمٌ بمجاملة صديقٍ أو مبالغةٌ لإرضاء لصيق.. وبإضافة ضيقِ مساحة المقال سأكتفي بما ذكرتُه عسى أن يُشكل خطوطًا عريضةً عن النحوي إنسانًا كما عرفتُه. وأما حضورُه الشعري فقد كان إرادةً صلبة وعزيمةً متوقدةً كأنما (نيتشه) عناه بإيماءته عندما قال (لا تمشِ في طريقٍ من طُرق الحياةِ إلا ومعك سوطُ عزيمتك)؛ ف (عندما يكونُ كلُّ شيءٍ سهلًا يُصبح المرءُ غبيًا بسُرعة) هكذا قال غوركي.. ولذا شق النحوي طريقه لتسنم القمة باقتدار إيمانًا منه أن من يصل القمة واثقًا بخطاه هو من يمتطيها طويلًا.. ولذا زيّن عزيمته وإرادته بالصبر فقديما قال الإمام علي (الصبرُ مطيّةٌ لا تكبو..) وفعلًا مطيتُه لم تكبُ.. والآن وبعد أن قذفَ الزمنُ من رَحم مسابقة أمير الشعراء أربعَ سنين قصدها النحوي ليختزل مراحل إبداعية لتسنّم قمتها.. لعل أبرز مؤاخذتنا على مثل هذه المسابقات هو إقحام آلياتٍ لا تمتُ للموازين الإبداعية بصلةٍ لتعلوَ بهذا وتهويَ بذاك، ولولاها ما كان للخشيةِ طريقها على مبدعٍ كالنحوي يمتلك أدواته بجدارةٍ قلَّ نظيرُها فهو قامةٌ تنحاز المقاييس الأدبيةُ له، ولكن ليس بأيدينا تغييرها ولذا سنصوّت لك يا سيد علي بقلوبنا.