تطالعنا صحفنا المحلية بأخبار تنفرج لها أسارير الوجوه، وتطرب لها النفوس، وتتطلّع شوقًا إلى تحقيقها، ولكن ما هي إلاّ أيام ونسمع نعي ذلك الخبر، ودفن جثمانه في مقبرة الأخبار. ومن تلك الأخبار التي ندعو الله أن يطيل في عمرها، ويكتب لها الحياة خبر عن توجّه لخفض رسوم العمالة المنزلية، ضعوا خطوطًا عريضة تحت كلمة (توجّه)، أي أن الخبر مازال في مرحلة الحمل التي لا يُعلم ساعات وضعه، أو سقطه، ذلك التوجّه هو عبارة عن اقتراح معالي وزير العمل المهندس عادل فقيه، بخفض رسوم تأشيرات الاستقدام، ورخص الإقامة للعمالة المنزلية بالتدرج، حسب عدد التأشيرات، أي أنه كلّما زاد عدد التأشيرات ارتفعت الرسوم وفقًا لعددها، بحيث تبدأ ب (500) ريال، لتصل إلى 20 ألفًا، ويُقال إن المقترح يسهم في فتح القيد عن الاستقدام للقادرين، كما يسهم في الحد من المتاجرة بالتأشيرات. إلى هنا والخبر يُبشر بالخير العميم الذي كنا ننتظره من سنين، ولكن كعادة أخبارنا التي تُصاغ من أجل ملء الصفحات، أو من أجل الفرقعات الإعلامية التي تشعر في أولها بالاستبشار، وفي آخرها بالانهيار، فقد جاء في أعقاب الخبر، جُمل تذييلية تُصيب القارئ بكل أنواع الإحباط، إذ تضمن الخبر ما يلي: (كما أوضحت المصادر أن اللجنة الخاصة التي شُكِّلت لدراسة المقترح تميل إلى عدم التخفيض لرسوم التأشيرات). فإذا كانت اللجنة المفوّضة بدراسة الموضوع تنقصها الحيادية والموضوعية، إذ هي تميل إلى عدم التخفيض، فما الفائدة من هذه اللجنة..؟! هل هو تضخيم بدلات الانتدابات والاجتماعات..؟! ثم لماذا تميل اللجنة إلى عدم التخفيض.. هل لأن أعضاءها سيكونون من أول المتضررين؛ لأنهم من الفئة التي تزيد لديها عدد التأشيرات، وبالتالي ستزيد عليها الرسوم..؟! فمع شكرنا العميق لمعالي وزير العمل على إحساسه بمعاناة المواطنين، وما تشكّله هذه الرسوم من إرهاق وعبء مالي على ميزانيتهم الضعيفة الهشة، فإن المأمول الذي كان ينتظره كل فرد، هو إلغاء رسوم هذه التأشيرات عن كاهل المواطن، وهذا أمر معمول به في كثير من دول الخليج، خاصة في ظل غياب حماية حقوق الفرد التي تنتهكها العمالة الهاربة بصفة متكررة ومستمرة. وإن اقتراح معالي وزير العمل أمر قد بُحَّت الأصوات وهي تطالب به، وجفَّت أقلام الكُتَّاب وهي تجسّد معاناة المواطنين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل هناك حاجة لتشكيل لجنة لدراسة هذا المقترح، الذي بات مطلبًا مُلحًّا لكل مواطن..؟! فكم من امرأة عجوز بحاجة إلى مَن يقوم على خدمتها مع قلة مواردها المالية، وقلة موارد معيليها الذين أرهقهم الغلاء المسعور في كل متطلبات الحياة؟!. وكم من امرأة ذات عيال بأمس الحاجة إلى مَن تعاونها في خدمة المنزل؟! وكم من امرأة عاملة ممولة للأسرة تتوق إلى مَن تساعدها في تدبير أمور منزلها وأسرتها؟ وكم من.. ومن.. ومن....! في ظل هذه الحاجات الملحّة يضطر الفرد إلى ادّخار القرش على القرش لتوفير رسوم التأشيرة، وبعد أن يقيم مراسم الفرح لحضور المعاونة الرشيدة التي كانت الأسرة تنتظرها أيامًا وسنين، إذ بها بعد سويعات تفر من بين أقدامهم هاربة، ويفر معها عناء السنين، بل كم من أسرة دفعت في السنة الواحدة أكثر من رسوم تأشيرة بسبب هروب العمالة المنزلية التي تجلس تحت الجسور، ليتم ترحيلها معززة مكرمة إلى بلادها، وقد امتلأت جيوبها بشقاء المواطنين الكادحين؟!. القضية ليست قضية تكوين لجنة لديها ميل مسبق لرفض المقترح؛ لعدم شعورها بالمشكلة لكثرة ما أفاء الله عليها من النعيم، فهي مطمئنة بأن اجتماعًا واحدًا من اجتماعاتها كفيل بإحضار عدد من التأشيرات. إن اللجنة التي يجب أن تكوّن لدراسة هذا الأمر يجب أن تكون من شريحة المواطنين الكادحين الذين ذاقوا الأمرّين من هروب العمالة، واستخراج التأشيرات. وليت الأمر يقتصر على ذلك، فإن هناك رسوم استرجاع تأشيرات دفعها المواطنون من سنة 1425ه، وحتى اليوم ليس لها أثر، ولا يُعلم أين موضعها! وهل ستعود تلك الملايين لأصحابها، أو أن الجمل ذهب بما حمل..؟!