خرجت علينا السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية قبل أيام ، بتصريح عجيب غريب يحتوي على الشيء ونقيضه معا ! السيدة هيلاري شددت في بداية تصريحها على تحذير بعض أنظمة الحكم في المنطقة من عاصفة التغيير القادم ، واقترحت أو دعت إلى العمل على إصلاح الأداء السياسي لهذه الأنظمة ليتميز بمزيد من الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد . لكنها اختتمت تصريحها بالتحذير من خطورة التحول إلى الديمقراطية لأنها عملية محفوفة بالمخاطر وغير مأمونة العواقب وقد تؤدي إلى ظهور المزيد من المستبدين ! كلام السيدة كلينتون حيرني .. هل أصنفه ضمن خانة الدهاء السياسي والمكر الاستراتيجي ..؟ أم أصنفه ضمن خانة التذاكي والاستذكاء ..؟ أم أصنفه ضمن خانة اضطراب الرؤية التي تؤدي إلى التناقض ..؟ أم أصنفه ضمن خانة سياسة الإمساك بالعصا من المنتصف وإرضاء مختلف الأطراف ؟ كل الاحتمالات واردة في رأيي باستثناء الاحتمال الأول . الأميركيون لم يكونوا أذكياء ولن يكونوا أبدا ، ولو كان الأميركيون أذكياء لتوقعوا أو استشرفوا ما حدث ويحدث الآن ، ولأقلعوا بالتالي عن لعبة الاستذكاء على الشعوب واستعباطها بالكلام العائم الذي يظنون أنه كفيل بامتصاص غضب الناس وبتضليلهم في نفس الوقت . الأميركيون لم ولن ينظروا إلى شعوب المنطقة نظرة الند للند ، ولذلك فإنهم يصرون على استغباء الشعوب وربما استجمالها ( نسبة إلى الجمال ) واستخيالها ( نسبة إلى الخيل ) . ورغم كل التقدم العلمي الهائل الذي وصلت إليه أميركا وباقي دول الغرب ، فإن الغربيين بالمجمل ، ينحّون المنهج العلمي الذي يقتضي الحيادية جانبا عندما يتعاملون مع كل ما يخص الشرق . الإنسان في الشرق بالنسبة للغربيين هو كائن دوني أقل مرتبة من الإنسان الغربي المتحضر ، وشعوب الشرق بالنسبة لهؤلاء هم مجموعة من الرعاع المحصنين ضد فايروس التقدم والحضارة . لو كان الأميركيون يحترموننا وينظرون إلينا كبشر ، لما استمروا في إعلان مواقف متناقضة ولا تحتوي على أية دلالات عملية ، تجاه كل ما يخص الشأن الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي ، حيث دأبت الإدارات الأميركية على مناشدة ( جميع الأطراف ) بضبط النفس عند وقوع كل اعتداء وحشي من جانب الإسرائيليين على أي من شعوب المنطقة . الاستخفاف الغربي بعقول الشعوب والاستهتار بوعيهم ، سيؤدي إلى استفحال ثقافة العداء في العقلية الجمعية العربية تجاه كل ما هو غربي . [email protected]