سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر حمزة المزيني: اتهامات النجيمي «خطيرة» وتستوجب المساءلة القانونية
نشر في المدينة يوم 28 - 01 - 2011

متسقًا مع نهجه في الجزء الأول من هذا المواجهة في الهجوم الضاري على التيار الديني ممثلاً في الصحوة والإخوان المسلمين، يعود الأستاذ الدكتور حمزة المزيني إلى مواصلة ذات الهجوم بالإشارة إلى أن الإخوان المسلمين قد أسهموا بشكل كبير في سيادة نهج التشدد الدين في المملكة بمثل ما فعلوا ذلك في أفغانستان، راميًا رمز الإخوان المسلمين سيد قطب بالسعي إلى تكفير المجتمعات الإسلامية تمهيدًا للجهاد ضدها.. ويمضي الدكتور المزيني إلى أبعد من ذلك بتحميل الإخوان المسلمين مسؤولية دفع الشباب السعودي إلى الجهاد في أفغانستان، مبينًا أن الخرافات والكرامات التي كان يسردها عبدالله عزام أسهمت بشكل كبير في تجييش الشباب، مشيرًا كذلك إلى أن براءة السعوديين وبساطتهم وثقتهم في رجال الدين أوقعتهم في شرك فتوى عبدالله عزام بضرورة دعم الجهاد الأفغاني، لافتًا على أنه اقتنع بأن الحرب الأفغانية لم تكن إلا حربًا بالوكالة عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، مدللاً على ذلك باستقبال الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان لزعماء المجاهدين ووصفه إياهم ب"أبطال الحرية"..
في سياق هذا الجزء الثاني من المواجهة مع الدكتور المزيني ستتبدى تفاصيل صراعه مع الشيخ البراك، وما وصلت إليه القضية بينهما، ولماذا لم تنفذ عليه العقوبة التي صدرت ضده، وسجالاته مع الشيخ النجيمي، ودعوته للثورة على النظم الفقهية القائمة بما أسماه "الثورة الكوبرنيكية الفقهية".. وغير ذلك من المحاور الأخرى..
لماذا أنت مكثر من نقد غيرك وكأنك الكامل وغيرك الناقص ومن ذلك مؤلفاتك ككتاب "مراجعات لسانية"؟
احترنا فيكم (ضاحكًا). كتبت في مقدمة الجزء الأول من الكتاب أن المراجعات النقدية نشاط علمي معروف في علوم المعرفة كلها. ويمكن الاطلاع على أهمية هذه المراجعات العلمية في التخصصات كلها من خلال الاطلاع على الدوريات العلمية في مختلف التخصصات. لذلك فنقد الكتب فن علمي محترم قائم بذاته. ولا يسع المتخصص السكوت على أوجه النقص التي يجدها في الكتب التي تكتب في تخصصه. ولا يدل الاهتمام بنقد الآخرين أن الناقد يعتقد الكمال في نفسه. هذه التهمة نابعة من ثقافتنا التي تعاني من كثير من المقولات التعميمية الخاطئة.
خطر "الإخوان المسلمين"
كثيرًا ما تصف مجاهدي أفغانستان بأنهم من خريجي مدرسة "الإخوان" وليس السلفية.. هل كنت تعني منظري الجهاد منهم.. أم القائمين عليه؟
مثلما حدث لدينا هنا حدث في أفغانستان. فقد أسهم منظرو الإخوان المسلمين في تنظيم التشدد الديني الموجود لدينا من قبل فنشأ عن ذلك تشدد منظَّم. وهذا ما حدث في أفغانستان التي ذهب إليها كثير من الشباب من مختلف أنحاء العالم. وأسهم بعض نشطاء الإخوان المسلمين هناك في تنظيم أولئك المتطوعين وأسهموا في تأسيس ثقافة التكفير التي كانت وراء كثير من مظاهر التشدد والتطرف في بلدان المسلمين بعد ذلك.
من الكتب التي اعتنت بتفصيل أثر بعض المنتمين إلى الإخوان المسلمين في الحركات الإسلامية المعاصرة التي استخدمت العنف كتاب (The Looming Tower)، 2006م، للصحفي الأمريكي لورانس رايت. وقد تُرجم إلى اللغة العربية الآن بعنوان "البروج المشيَّدة". وهو يتتبع سيرة حياة أولئك المنشقين عن الإخوان المسلمين وأبرزهم سيد قطب والظواهري وأبو عبيدة وأبو الفضل وغيرهم. ومن الواضح من الكتاب أن هؤلاء هم الذين نظَّروا لما يسمى ب"الجهاد". ويبين أن السعوديين، ومنهم ابن لادن، كانوا أتباعا لهؤلاء بل ضحايا لهم.
قطب وتكفير المجتمع
قلت في إحدى مقالاتك التي تناولت الجهاد في أفغانستان: "أما حقيقته فهي أنه كان خطوة أولى لتحقيق الإخوان المسلمين لأهداف أخرى غير الجهاد ضد السوفيت".. ما هي أبرز تلك الأهداف.. وكيف استطاع الأخوان الضحك على المجتمع بتمريرهم إلى ساحة القتال؟
كان الهدف الأبرز لسيد قطب تكفير المجتمعات الإسلامية، وكان يعد الجهاد ضدها تمهيدًا للجهاد ضد المجتمعات "الكافرة" الأخرى. لذلك استغل تلاميذه الذين أخلصوا لمنهجه مشكلة احتلال قوات الاتحاد السوفييتي لأفغانستان لتكون ميدانًا مفتوحًا للتدريب على السلاح الذي ينوون استخدامه ضد الدول الإسلامية في المقام الأول.
إذًا كيف استطاع هؤلاء الضحك على الآخرين؟
يأتي هذا نتيجة للتنظيم الذي كان أهم خصائص هذه الحركة. وقد استطاعوا تجنيد الناس في العالم الإسلامي كله، وفي المملكة على وجه أخص، نتيجة لسيطرتهم على المخيمات الصيفية والنشاطات المدرسية.
ومن شواهد هذه السيطرة الحرية التي كان يتمتع بها عبد الله عزام رحمه الله الذي أتى إلى المملكة ونشر كثيرا من الخرافات عن الكرامات التي يزعم أنها كانت تتنزل على "المجاهدين" هناك. وكان هذا وراء تجنيد كثير من الشباب السعوديين في حرب أفغانستان.
مغامرات مضحكة
هل كانت المداخل دينية في الأساس؟
نعم وباسم الجهاد، ويبين كتاب لورنس رايت أن أكثر المعسكرات التي كانت تؤوي العرب كانت في باكستان، ولم يكونوا يشاركون الأفغان في حربهم إلا بصورة متواضعة. ولم يدخلوا أفغانستان بكثافة إلا بعد أن رحلت القوات السوفيتية. كان معظمهم في بيشاور وكانت لهم مغامرات مضحكة حين أرادوا مشاركة الأفغان في حربهم. وكان الأفغان يتندرون على تواضع خبراتهم القتالية.
هل تقصد أن الذين ذهبوا من المملكة لم يخوضوا معركة ضد السوفيت وكانوا في بيشاور؟
- حين تقرأ كتاب رايت، وهو رواية عن بعض العرب الذين شاركوا في ما يسمى ب"الجهاد الأفغاني" أو كانوا موجودين على حدود أفغانستان، تكتشف أن هناك مبالغة في تقدير مشاركة العرب، خاصة السعوديين، في المعارك. ويبين الكتاب كذلك أنهم كانت تنقصهم الخبرة القتالية وإن لم تكن تنقصهم النية.
شراك الفتوى
ولكن المجتمع كله كان مع الجهاد الأفغاني!
طبعًا، كان التوجه العام للخطباء والوعاظ في المساجد والمدارس موجَّها نحو الحث على التبرع ل"الجهاد الأفغاني" والدعوة إلى الالتحاق به. وكانت التبرعات سخية فقلما تخرج من مسجد، خاصة أيام الجمعة، إلا وتجد أربعة أو خمسة متطوعين يقفون إلى جوار صناديق كبيرة لجمع التبرعات، منادين بأن "من جهز غازيًا فقد غزا"، وكانت كلها تمتلئ بالأموال. ومما كان يلهب المشاعر فتوى عبد الله عزام بأن الجهاد في أفغانستان فرض عين على كل مسلم. وقد أدت براءة السعوديين وبساطتهم وثقتهم في المتدينين إلى وقوعهم في شرك تلك الفتوى. كنت في ذلك الوقت في الولايات المتحدة حين غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان. وأذكر أن الرئيس ريجان استقبل في مكتبه في البيت الأبيض ثلاثة من كبار زعماء المجاهدين الأفغان ووصفهم بأنهم من "أبطال الحرية" وأنهم يماثلون، أخلاقيًّا، مؤسسي الجمهورية الأمريكية. لذلك كان انطباعي منذ تلك اللحظة وإلى الآن أن هؤلاء لم يكونوا "مجاهدين" بل كانوا يقاتلون نيابة عن الولايات المتحدة لأضعاف الاتحاد السوفييتي. ومما يشهد بهذا تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي في فترة الرئيس كارتر بريجينسكي بعد سنين عديدة أن الولايات المتحدة هي التي استدرجت الاتحاد السوفييتي للوقوع في الفخ الأفغاني. فغزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان كان نتيجة لتخطيط أمريكي. وأنا لم أكن ضد مقاومة الأفغان للمحتل السوفييتي، لكني كنت ضد استغلال العاطفة الدينية لخدمة الأهداف السياسية البعيدة للولايات المتحدة.
الخديعة الكبرى
ولكن لا يمكن لأمة كاملة أن تخدع بهذه السهولة!
هذه الخديعة هي ما حدث بالفعل.
أليس واردًا أن تكون لكل من هؤلاء أجندة خاصة؟
من المؤكد أن آلافًا من الشباب ذهبوا إلى أفغانستان بنية الالتحاق بما أُقنعوا بأنه "جهاد". كان دافع هذا العدد الكبير الذي يقدر بما بين 15 إلى 20 ألف سعودي المشاركة في "الجهاد" لأن السوفييت "كفار" و"ملاحدة"، لا أنهم غزاة لبلد مستقل. ومع ذلك فقد كانوا يقاتلون باستخدام الصورايخ والأسلحة الأمريكية، ولم يخطر ببال أحد منهم أن يقول إن "أمريكا" بلد كافر كذلك!
هل تعني أن مفهوم الجهاد يحتاج إلى ضبط؟
أعني أن الناس خدعوا فذهبوا وخاضوا معركة للولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي.
مفهوم قديم
ماذا يعني لك الجهاد؟
هذا المصطلح بمفهومه القديم ينتمي إلى حقب تاريخية لم تعد قائمة. ذلك أن العلاقات بين الدول الحديثة تحكمها الآن قوانين دولية تمنع أن يدخل شخص دولة غير دولته إلا بإذن من تلك الدولة. ولا تسمح هذه القوانين نفسها باستخدام القوة ضد الدول والشعوب الأخرى.
طبعا هناك بعض الدول التي تخالف هذه القوانين وتسمح لنفسها باستخدام القوة ضد الآخرين، ومن أبرز هذه الدول الآن الولايات المتحدة وإسرائيل. لكننا نعرف أن هذه العدوانية تقابل، في داخل هاتين الدولتين نفسيهما، وتقابل عالميًا، وفي كل المحافل، بالرفض والاستهجان والاحتجاج. وقد ضمنت القوانين الدولية الآن حق الدفاع عن النفس إذا ما تعرض بلد ما للغزو، أما غزو الآخرين فلم يعد مسموحا به لأي هدف مهما كان.
الجهاد لا يعني أن نغزو الدول والمجتمعات الأخرى لقتالهم من أجل إدخالهم في الإسلام. والأولى، خاصة في هذه الفترة، أن ندعوهم إلى الإسلام بالحسنى. الإسلام يأمرنا بدعوة الآخرين للإسلام، لا إذلالهم بغزو بلادهم وإرغامهم على الدخول فيه. ويعرف الجميع أن أكثر الشعوب الإسلامية دخلت في الإسلام من غير أن توجه الجيوش لغزوها لإجبارها على الدخول في الإسلام.
كثيرًا ما تذكر الإخوان المسلمين.. هل تعتقد أن لهم علاقة بحادثة جهيمان الشهيرة؟
كان هناك تناغم بينهم وبين جهيمان وأتباعه، بل كانت هناك صلة فعلية تحدث عنها بعض الذين كانوا من أتباع جهيمان. لكن جهيمان كان ابنًا للأفكار الدينية المحلية المتشددة التي بث فيها الروح بعد خمود استمر أكثر من أربعة عقود بعد وقعة السبلة المشهورة. والدليل على ذلك أن هذه الفئة بدأت بتحطيم الصور في متاجر المدينة المنورة احتجاجًا بتحريمها.
أليست للأفكار الخارجية أي علاقة!
- هناك بعض الباحثين يقولون بوجود تناغم مع بعض العناصر المتشددة المنشقة عن الإخوان المسلمين مثل شكري مصطفى.
وهل تعتقد أن ما يحدث الآن من حوادث إرهابية هو امتداد ما بين خط جهيمان وخط الإخوان المسلمين وأن هناك خطان متوازيان أحدهما يمثل الجانب الديني والآخر يمثل الجانب السياسي؟
في كلتا الحالتين استخدم الجانب الديني غطاء للجانب السياسي. ما يحدث الآن هو تكرار لأحداث جهيمان. ذلك أن المتطرفين الآن يصدرون عن المصادر نفسها المعروفة في تراثنا الديني في المملكة. ومع أن هذا كان موجودًا قبل عام 1400ه إلا أنه لم يولد مثيلاً للتطرف الموجود حاليًا لأنه لم يكن يُستخدم سياسيًا، لكن الصحوة بثت فيه الحياة واستخدمته لأغراضها السياسية وما نعاني منه الآن هو نتيجة لذلك الإحياء.
مبدأ التحوّط
عودا إلى هيئة كبار العلماء حيث قلت في أحدى مقالاتك:" تولى إدارة هذه المؤسسات المركزية وتوجيهها فضلاء ينحون نحو "التحوط" بصورة لا تماثلها أية مؤسسة دينية أخرى في العالم الإسلامي. ومن هنا ألزمت هذه المؤسسات الناس ببعض اختياراتها في كثير من القضايا الفقهية. وألغت في مقابل ذلك الآراء الأخرى"..
كيف تصفهم بالفضلاء ثم تتهمهم بالتشدد؟ ألا تعتقد أن هذا كلام عائم يحتاج إلى دليل؟ هل لديك دليل على هذا الادعاء؟
أنا حين أتحدث عن أشخاص أحرص على ألا أسيء إلى ذواتهم، ولا شك أن القائمين على تلك المؤسسات أناس فضلاء، وأنا لا أتحدث عن أشخاصهم بل عن توجهاتهم. ومما يكاد يعرفه الناس جميعا أن المبدأ الذي يوجه كثيرًا من قرارات هذه المؤسسات هو مبدأ التحوط. وقد أوردت أمثلة عديدة، في بعض ما كتبته، على
أن بعض منسوبي تلك المؤسسات يصرحون بذلك المنطلق ويعتمدونه. ومن المؤكد أنه لا حرج في أن يتحوط الإنسان لنفسه، لكن لا يمكنه أن يتحوط للآخرين، ذلك أن التحوط أمر شخصي.
وهل تقصد أن هيئة كبار العلماء يساورها التحوط؟
قلت إنها تعتمد مبدأ التحوط ربما انطلاقا من حدبها على الناس وحبًّا للخير لهم، وأكثر الظن أنهم صادقون مع أنفسهم في هذا الأمر ويرون أن ما يتخذونه من تحوط في صالح المسلمين ولكن قد لا يوافقهم كثير من الناس في هذا المنهج.
أتقصد أنهم لا يستطيعون قراءة الواقع؟!
هناك تحوط وتشدد في أشياء كثيرة ربما يجعلان حياة الناس أصعب.
هل لك من مثال على ذلك؟!
قضايا الاختلاط والحجاب والترفيه مثلاً.
ليبراليات متعددة
قالت في إحدى الحوارات السابقة: "لا أدري ماذا تعني كلمة الليبراليين السعوديين؟ وما دمت لا أعرف ما المقصود منها، ولا معناها فلا أعلق عليها".. ألا يثير هذا القول استغراب القراء خاصة وأنك أستاذ جامعي وباحث لغوي لا تعي معنى كلمة الليبراليين السعوديين!!
قال أسلافنا (من قال لا أدري فقد أفتى) و(لا أدري نصف العلم). الحكم على الشيء فرع من تصوره. إذا حددت لي ما الليبرالية تحديدًا واضحًا يمكن أن أتحدث عنها. هناك ليبراليات متعددة لا ليبرالية واحدة. لذلك لا أخوض في مثل هذا الجدل الذي لا يؤدي إلى نتيجة.
ماذا تجد في مجتمعنا من هذه الليبراليات التي ذكرتها؟
- لا يمكن إطلاق الأحكام بهذه الطريقة. لا بد من الدراسة.
ما هو مفهومك الشخصي؟
أنا لا أشغل نفسي بمحاولة فهمها، لدي أمور أهم يمكن أن أشغل وقتي بها.
يعلق أحدهم على عدم درايتك بهذا المصطلح بالقول إن المزيني يزاملهم ويجالسهم في الداخل وفي الخارج، ولك صولات وجولات معهم منذ دراستك في أمريكا!!
أنا أجالسك الآن، فكيف تصنف نفسك؟!
كان هناك عدد قليل من السعوديين الذين كانوا يدرسون في الجامعة التي درست فيها في الولايات المتحدة، ولم تكن مجالسنا، حين نجتمع، مشغولة بكثير من الكلام الكبير الذي تشغل بعض المجالس أنفسها به الآن. كنا في فترة كانت تسود فيها المحبة والتفاهم والألفة بين أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن المناطق التي جاءوا منها والتخصصات التي يدرسونها والقناعات الدينية أو الثقافية لهم. لم يكن هناك شيء من هذه التيارات الحزبية التي أفسدت القلوب وصرفت كثيرًا من المبتعثين عن التعلم الحقيقي في تخصصاتهم. وكنا حريصين على التعلم من المجتمع الأمريكي الذي كنا نعيش فيه. أما في المملكة فأنا أخالط الناس بغض النظر عن توجهاتهم. وليس لي انتماءات ترغمني على أن أجالس بعض الناس انطلاقا من واجب علي. المجتمع السعودي ملآن والحمد لله بالناس العاديين الذين يريدون أن تكون مجالسهم للترويح من عناء الحياة وفرصا للابتعاد عن منغصاتها.
تجريم الكراهية
في موقعك الشخصي http://www.almozainy.com تحدثت عن تجريم الكراهية، وصببت جام غضبك على أهل السنة وبرأت الشيعة الذين بنوا عقيدتهم وممارساتهم اليومية على الكراهية بخلاف السنة الذين لا تجد في أبجدياتهم هذا الاصطفاف الطائفي بدليل أنه لا تكاد تجد عند السنة من يتحدث عن الشيعة إلا كرد فعل لممارسات الشيعة في شعائرهم المتسلسلة طوال مواسم السنة ويبنونها ويربون أولادهم على كره النواصب والوهابية ونحو ذلك في حين نجدك لا تتعامل مع هذا الواقع بعدالة !
كلامك لا يصف ما قلته في مقالي وصفًا صحيحًا. أنا لم أستثن أحدًا في مقالي (تجريم الكراهية) ولم أقل بتجريم السني فقط إذا تطاول على الشيعي. ما قلته هو أن من يتعدى حدود التعامل بالحسنى على الآخرين، سواء كان سنيًا أو شيعيًا أو ممن تسميهم ليبراليين، بالسب والشتم يجب أن يوقف عند حده.
ولم أبرئ الشيعة لأنك تجد في جميع المذاهب والتيارات أناسًا يتجاوزون الحدود ولا يتورعون عن استخدام الشتائم.
كثيرًا ما تتهم البنية الفقهية للخطاب الديني والفكري المحلي بالهشاشة، مطالبًا بمراجعة جذرية لهذا الخطاب، بل إلى ثورة كوبرنيكية تؤدي إلى تحرير المفاهيم وإيضاح القضايا وضبط وجوه الاستدلال بالنصوص الكريمة. هل لك أن تحدد ماذا تقصد بالبينة الفقهية؟
سبق أن قال الشيخ عبد المحسن العبيكان إنه "ليس لدينا فقهاء إنما لدينا حفظة فقه". وكلامه صحيح لأننا نجد أن كثيرًا من الفتاوى والآراء الفقهية ليست قائمة على استقصاء واجتهاد، إنما هي آراء فقهية قديمة توردها المصادر القديمة وتحفظ وتتبنى وينظر إليها على أنها هي الآراء الصحيحة وحدها. لكن حين يُكتشف أن هناك آراء أخرى تترك الآراء القديمة ويتبنى بديلا لها الآراء المكتشفة من غير تقيد بمنهجية واضحة.
هذه هي الهشاشة الفقهية. الهشاشة الفقهية تعني عدم وجود أطر نظرية واضحة مبنية على الاستدلال، بل تقوم على حفظ كتب معينة والصدور عنها.
ثورة كوبرنيكية
وما الثورة الكوبرنيكية.. التي تعنيها؟
التسمية نسبة إلى عالم الفلك كوبرنيكس الذي وضع تصورًا نظريًا جذريًا جديدا للكون في القرن السادس عشر الميلادي. وكانت تلك النظرية جذرية بمعنى أنها غيرت أسس النظر إلى الكون تغييرًا كاملاً. لهذا فما أقصده بالثورة الكوبرنيكية الفقهية هو ثورة علمية فكرية جذرية تؤسس لقواعد وأطر واضحة متماسكة جديدة للنظر في العلوم الشرعية ومنها الفقه.
دكتور حمزة لا شك أن تذكر مقالك الشهير:" «انحسر التنوير مثلما اختفت البسمة من عسير» معلقًا على الوضع الذي آلت إليه جامعة الملك سعود في العشرين سنة الماضية نتيجة لسيطرة التوجهات «الصحوية» عليها مما قضى على كثير من النشاطات والمظاهر الفنية والاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة فيها وتتميز بها منذ إنشائها...
لا، لأني كنت أصف واقعًا.
وهل ما تزال على نفس القناعات السابقة أم أنك تجد الوضع تغير؟
أنا خارج الجامعة منذ 1426ه.
هل تجد أن الوضع على ما هو عليه حتى الآن؟
كما قلت لك أنا متقاعد وخارج الجامعة.
وماذا عن قراءاتك للوضع؟
ما كتبته في السابق كان تصويرًا لواقع عايشته. لكني الآن خارج الجامعة ولا أدري إن اختلفت الأمور عما كانت عليه أم لا.
قضايا كيدية
حدثنا عن ملابسات القضية التي حكم عليك فيها- قضائيًا- بينك وبين البراك في الفترة الماضية.. وكيف انتهت.. وما هي الآثار المترتبة عليها من جميع الجوانب؟
- لا توجد ملابسات لكن يبدو أن تلك القضية جاءت في بداية التنازع بين التيارات الفكرية في المملكة. لهذا أريد لها أن تكون أداة في الانتصار لتيار على آخر. وقد وقعت بالصدفة ضحية لهذا التنازع.
قبل هذه القضية انتشرت في المواقع الانترنتية نداءات وجهها بعض الناشطين "الصحويين" تدعو لإقامة دعاوى في كل مدينة ضد الكتّاب الذين يسكنون في تلك المدن. فقد دعى بعض الناشطين الذين يسكنون في جدة إلى أن يقيموا دعاوى على الكتّاب الذين يسكنون في جدة، والذين يسكنون في الرياض إلى إقامة دعاوى ضد الكتّاب الذين يسكنون في الرياض، وهكذا في المدن السعودية الأخرى. وكانت الدعوى التي أقيمت ضدي نتيجة لتلك الدعوات لمعاقبة الكتّاب وإيقافهم عن الاستمرار في نقد بعض المؤسسات الدينية وبعض الممارسات التي تقوم بها وبعض الأفكار التي يروج لها بعض الناشطين الصحويين. ولم يكن المشكل الذي كان أساسا لإقامة الدعوى ضدي كافيا لإقامتها في الظروف العادية. ولا شك أن الله قد أنقذ بتلك القضية المحاكم الشرعية من الوقوع لعبة في أيدي بعض "المحتسبين" الذين كانوا ينوون إغراق تلك المحاكم بالقضايا الكيدية التي كان ينتظر إقامتها. وكان هناك أناس يريدون إشغال المحاكم بمثل تلك القضية التافهة التي كان بالإمكان أن تحل وديًا بدلاً عن إشغال المحاكم بها.
ردود فجة
لماذا لم يكن بينك وبين الدكتور البراك أي حوار؟
- أنا لم أكن أعرف الدكتور عبد الله البراك، ولم أتعرض له في كل ما كتبت. كنت كتبتُ عن جامعة الملك سعود التي أنتمي أنا وهو لها. وهو الذي نصب نفسه محاميًا عن الجامعة ولم يكن موضوعيًا في رده. ولما رددتُ عليه لم يرد، بل رد زملاء له في قسم الثقافة الإسلامية في الجامعة ردودا فجة، وكان بإمكانه أن يكتفي بالإقذاع الذي وصلت إليه تلك الردود. لكنه سمح لنفسه أن ينفخ في القضية لتكون أداة للتشهير بي. لهذا كانت مفاجأة لي أن أتلقى طلبا للمثول أمام المحكمة الجزئية في الرياض نتيجة لشكوى تقدم بها الدكتور البراك ضدي.
حكم واعتراض
وحكم عليك بالسجن و200 جلدة..!
نعم حكم علي القاضي في المحكمة الجزئية بالرياض في البداية بالسجن شهرين والجلد خمس وسبعين جلدة. وحين اعترضت على الحكم مستندًا إلى نظام المطبوعات والنشر الذي ينص على أن وزارة الثقافة والإعلام
هي الجهة التي يحق لها النظر في مثل هذه القضية الإعلامية غيَّر القاضي الحكم إلى السجن أربعة أشهر والجلد مائتي جلدة والمنع من الكتابة.
ثم حصلت على عفو..!
- ينبغي أن نكون دقيقين في استخدام المصطلحات. ذلك أن نظر المحكمة الجزئية للقضية مخالف لنظام المطبوعات والنشر الصادر عام 1421ه السابق للقضية بأربع سنوات. لذلك فحكم القاضي لم يكن شرعيًا من أساسه. ومن هنا فالوصف الدقيق للأمر السامي الكريم الذي أصدره الأمير عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان وليًا للعهد - حينذاك - لا يصح أن يسمى "عفوًا"، بل "إلغاء" للحكم الذي أصدره القاضي في قضية ليس من اختصاصه النظر فيها ابتداء.
ولماذا ذهبت إلى المحكمة؟
ذهبت للمحكمة، كما قلت للقاضي نَصًّا، احترامًا للقضاء الشرعي، واحترامًا للمحكمة، واحترامًا للقاضي نفسه الذي طلب مني الحضور. كما كان هدفي إبلاغ القاضي بأن هذه القضية لا تقع ضمن اختصاصه، والطلب منه عدم النظر فيها وتحويلها إلى جهة الاختصاص.
ولكن البعض يقول بأنك لا تحترم القضاء الوطني..!
هذا ليس صحيحًا. ولو لم أكن أحترم القضاء لما ذهبت طواعية إلى المحكمة، ولكان بإمكاني الاحتجاج من بعيد بعدم اختصاص المحكمة بالقضية وهو ما يمكن أن يكون عذرًا لعدم المثول أمام المحكمة غير المختصة. فذهابي، في حد ذاته، يعبر عن احترامي للمحكمة كما ذكرت للقاضي، ولو لم أكن أحترم القضاء لما ذهبت.
إصلاح قضائي
أنت رجل وداعية إصلاح فكيف تنقلبون على وحدة المرجعية القضائية؟
- شكرًا لك على تشريفي بهذا اللقب! أما من حيث المرجعية القضائية فلم يكن هناك "مرجعية" قضائية للقضايا كلها طوال عقود. ذلك أنه كان يوجد - قبل الإصلاح القضائي الذي أصدره الملك عبد الله في الفترة الأخيرة - أكثر من 22 لجنة تعمل خارج القضاء "الشرعي". وكان ذلك بسبب أن القضاء لم يطوَّر لكي يتعامل مع كثير من القضايا الجديدة.
البعض يقول بأن العفو الذي حصلت عليه هو عفو ملكي أصدره الأمير عبد الله – آنذاك.
- كما قلتُ سابقًا، يجب أن نستخدم المصطلحات بدقة. ذلك أن "العفو" يعني إقرار الحكم وعدم تنفيذه. أما ما حدث فكان "إلغاء" لحكم غير شرعي من الأساس لصدوره عن غير ذي صفة. ولا يعني هذا الانتقاص من أهمية المبادرة السامية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين التي أعادت الأمور إلى نصابها، وكان أمره تأكيدا على احترام الأنظمة التي وضعتها الدولة.
احترام الاختصاص
هناك قضايا مشابهة مثل الاتهامات ورمي الناس ولعل قضية الدكتور علي الرباعي تدخل في هذا الإطار.
لا تزال بعض الجهات تحاول تجاوز الأنظمة المرعية. ومن هذه التجاوزات ما حدث للزميل الدكتور علي الرباعي الذي استدعته الشرطة مع أن قضيته إعلامية في الأساس. وكان هناك بعض القضايا الأخرى التي استقبلتها المحاكم الشرعية في عدد من المدن مع أنها قضايا إعلامية. لذلك يجب أن يكون واضحًا للجهات القضائية أنه لابد من احترام الاختصاص في القضاء حتى لا يضار الناس وتشوه سمعتهم، وحتى لا يساء إلى سمعة القضاء نفسه ولا إلى سمعة المملكة بصورة عامة.
تأديب الكُتَّاب
عطفًا على موضوع الدكتور الشيخ البراك قلت في مقال لك: "إن صورة الدكتور البراك المرفقة ب"مقاله" شاهد دقيق آخر على مدى التغير الذي حدث لجامعة الملك سعود في السنوات الأخيرة وكان من أسباب انحسار التنوير فيها. ذلك أن لأعضاء هيئة التدريس فيها سمتًا ومظهرًا معروفين لا تمثلهما صورته تلك".. ألا تعتقد أن في هذا سخرية وإساءة للدكتور البراك؟
لا أريد أن أبعث القضايا التي انتهت، وأظن أن هذه الجملة لن تلفت نظر أحد في الحالات العادية، لكنها استغلت لتأديب الكُتَّاب السعوديين الذين بدأوا يناقشون كثيرًا من القضايا.
وما علاقة الصورة بالأفكار؟
ليس من طبيعتي أن أسخر من الناس. ما قصدته شيء آخر.
ما هو هذا الشيء؟
- هذه القضية انتهت ولا أريد لها أن تبعث من جديد.
ولكن هذه قضايا فكرية ستعود إلى بيان التاريخ يا دكتور!
لم تكن تلك القضية فكرية. وقد انتهت في وقتها ولا أريد لها أن تبعث.
طرق غير أمينة
دعني أنقل لك ما قاله أحدهم تعليقًا على ذات المقال: "الأمر واضح، فلو لم يكن الشيخ د.البراك ملتحيًا ما قال حمزة المزيني هذا الكلام، فما هو الشيء الذي في وجه البراك يستنكره المزيني: أهو أنفه؟ فمع المزيني أنف، أهو الفم والعينان؟ فمع المزيني أنف وعينان، إذًا هو اللحية، وقد وصف هذا بأنه ضد التنوير، أي أنه جالب للظلام، واللحية رمز بها المزيني للعقيدة والفكر الإيماني الذي ينطلق منه البراك الواضحة في سجالاته مع المزيني والواضحة من خلال نهجه في الجامعة مع الطلاب، وهو نهج البلاد رغم أنف الساعين للفتنة، وهذا واضح لكل ذي بصر وبصيرة مهما قلت وضؤلت".. كيف تعلق على هذا الكلام؟
هذه إحدى الطرق غير الأمينة التي استخدمت للنفخ في هذه القضية التي لم يكن لها أن تسير المسار الذي سارته في سياق مختلف.
هل ندمت على كتابة هذا المقال؟
على العموم انتهت هذه القضية.
ولكنك ألمح في كلامك نوعًا من الندم!
- يجب أن نتعلم في ثقافتنا مبدأ الحوار. لماذا نضخم الأمور؟ الجو الذي يمكن أن تصل فيه الأمور إلى هذا الحد بسبب هذه القضايا التافهة جو غير صحي. الحمد لله أننا تجاوزنا تلك المرحلة وصار من الممكن لنا الحوار بعيدًا عن اتهام النيات.
وجهات نظر مختلفة
لك صراعات مع مجموعة من المشايخ ومنهم على سبيل المثال الدكتور محمد النجيمي، فما أصل المشكلة.. وما هو وجه خلافك معه؟
- لماذا تسميها "صراعات"؟ لماذا لا تسميها نقاشات جدية؟ من الجميل أن يكون للدكتور النجيمي، أو غيره، وجهات نظر مختلفة عما أراه. هذا دليل على الحيوية، وينبغي أن نفرح لذلك بدلاً من عده أمرًا مفزعًا.
حين أتحاور مع الدكتور النجيمي، أو غيره، عن قضايا نختلف فيها يجب ألا يعد هذا من قبيل التنقص منهم. وأنا أختلف مع بعض آراء الذين أناقشهم في ما أكتب. هذا أمر صحي وينبغي أن نتعلم الاستماع للآراء المختلفة. ينبغي ألا نُخرج الأمور عن مساقاتها الصحيحة.
ولكن ماذا حدث بينكما؟
وماذا حدث؟! لم يحدث شيء أكثر من تعبيره عن وجهات نظره وتعبيري عن وجهات نظري. هذه أشياء طبيعية تحدث في المجتمعات كلها. وعلى الرغم من تجاوزه الحدود أحيانا فإن ذلك لم يجعلني أخرج عن طوري وطريقتي في التعامل مع المختلفين معي.
قضايا ليست للمحاكم
ولكنه تحداك من خلالها بالمثول إلى القضاء وجهًا لوجه.. لماذا لم تقبل التحدي.. على خلفية مقال نشر لك بعنوان "استغلال الأزمات"؟
- هذه من الأدلة التي أشرتُ إليها سابقًا من وجود محاولات لإسكات الكُتّاب والمثقفين السعوديين. وكانت الأداة الأقرب إلى أذهان بعض المتحمسين إقامة الدعاوى ضد أولئك الكتّاب في المحاكم! لماذا نذهب إلى المحاكم؟ قضايا الفكر لا تناقش أمام المحاكم ذلك أن تلك المحاكم تختص بقضايا الدماء والأموال والتجاوزات المادية الأخرى. القضايا الفكرية تحل بالنقاش وحسب. لماذا نذهب إلى القضاء؟
بعيدا كل ذلك .. ما رأيك في الدكتور محمد النجيمي؟
- ولماذا علي أن أبدي رأيي في الآخرين؟ هو مسؤول عما يقوله وأنا كذلك مسؤول عما أقول.
اتهم النجيمي البعض بالتسول أمام السفارات الأجنبية"، وقلت "إن هذا الكلام يستوجب (المساءلة القانونية)..!
- هو مسؤول عما يقوله واتهام الناس بهذه الطريقة غير صحيح. رددت عليه واكتفيت بذلك. ما كنت أود أن يصل الأمر إلى مثل تلك الاتهامات. وهي اتهامات خطيرة وتستوجب المساءلة القانونية لا لأنها قضايا فكرية بل لأنها اتهام صريح بالخيانة الوطنية. لكني مع هذا لم أفكر في استخدام حقي في متابعة تلك الاتهامات.
وهل تعتقد أن هناك من يتسول أمام السفارات؟
هذا القول يسأل عنه من قاله.
ومع هذا يتهم البعض من الكُتّاب بالتواصل مع بعض السفارات وقد سئلت ذات مرة هل تعتقد بوجود كُتّاب لهم صلات بالسفارات، فكانت الإجابة: أنا قطعًا لست منهم..!
- كل من يريد الحصول على تأشيرة دخول إلى بلد أجنبي يذهب إلى السفارات. لي عشر سنوات لم أذهب إلى أية سفارة للحصول على مثل تلك التأشيرة. لم أذهب إلى السفارات حتى لطلب تأشيرة. أما هذه الاتهامات فهي من أدوات الخصام غير الشريفة. لا يمكن لأحد أن يتفوه بهذه الاتهامات من غير أن تكون لديه الأدلة الكافية على ما يقول. أما أن يطلقها بشكل غير مسؤول فهذا أسلوب غير شريف. عندما قلت إنني لست منهم فلأنني متأكد 100% من نفسي وليس من مسؤوليتي أن أتتبع الناس.
ألا تعتقد أن الإجابة توحي بذلك التواصل؟
الآن أقول لك إنني لا أعرف أحدًا من هؤلاء.
مقاصد سيئة
ما هو رأيك في ما يقال عن التواصل؟
أول مسؤوليات الدبلوماسيين في أي بلد يمثلون دولهم فيه هو التواصل مع مواطني هذا البلد على المستويات كلها. هذا ما كنتُ أفعله أنا، مثلا، حين كنتُ ملحقًا ثقافيًا في تايوان "جمهورية الصين الوطنية"، كما كانت تسمى. فقد كنت أتصل بالصحفيين والمثقفين ورجال الأعمال الذين لهم صلة بالجامعات السعودية، وغيرهم. المشكل في هذا أن هؤلاء المندفعين إلى مثل هذه الاتهامات لا يقصدون بها التواصل المعروف بل يقصدون اتهام المثقفين والكُتّاب بأنهم "عملاء"، بالمعنى السيئ، ويقبضون مبالغ مادية في مقابل ذلك، وينصبون أنفسهم للدفاع عن دول تلك السفارات.
الطابور الخامس
أنا أريد رأيك..!
إذا صح هذا فهؤلاء ينبغي أن يعاقبوا.
ولكن الأستاذة حصة العون.. داخلت وأفادت بحدوث ذلك!!
يجب أن تطالب هي بالدليل كذلك وأن تبرهن على صدق ادعائها، يجب عليها أن تقدم ما تملكه من أدلة للجهات المختصة لكي يعاقب من يسمح لنفسه أن يكون طابورًا خامسًا ضد بلاده.
ولكن المتتبع للحراك الفكري في المملكة، يلمس حضورًا شبه يومي لهذا الموضوع في ثنايا المقالات والردود، فحتى بعد تصريح وزير الداخلية القديم بوجود تلك الصلات وتهديده لكُتّاب معينين بالعقاب جزاء علاقاتهم بجهات مشبوهة، فإن الموضوع بقي محط جدل كبير..!
أنا أتحدث هنا عن استخدام بعض من يجرؤ على إصدار هذه التهم من غير أن يتقدم ببينة على صدق كلامه، ويوجه اتهامًا تعميميًا ضد الجميع بصورة غير أخلاقية.
اعتراف بالدعوات
ألم يسبق لك أن اتصلت بك إحدى السفارات الأجنبية؟
طبعا لي اتصالات ببعض السفارات، ودعني أسرد لك بعضا منها!!
دعاني الملحق الثقافي في السفارة الأمريكية قبل أكثر من خمس عشرة سنة، مع عدد كبير من أساتذة الجامعات في الرياض، للقاء أحد الشعراء الأمريكيين البارزين من أصول إفريقية.
ودعتني السفارة اليابانية قبل أكثر من عشر سنين، مع عدد من أساتذة الجامعات في الرياض، لحفل بمناسبة اليوم الوطني الياباني.
دعاني الملحق الثقافي في سفارة جمهورية الصين الوطنية، وكان صديقا وأستاذا جامعيا مرموقا في بلاده، عددا من المرات لحضور حفلات اليوم الوطني للصين.
دعاني سفير اليمن الحالي عددا من المرات مع عدد من أساتذة الجامعة والمثقفين والكتاب إلى مناسبات عدة في السفارة اليمنية.
هذه هي المرات التي ذهبت فيها للسفارات الأجنبية في الرياض. ويمكن لمن أراد أن يستخدم هذا "الاعتراف!" ضدي أن يستخدمه إذا شاء!
وماذا عن السفارات غير العربية، هل تدعوك؟
أدعى دائمًا إلى حضور بعض المناسبات في بعض السفارات العربية وغير العربية. ولكني لا أذهب لأني بطبيعتي لا أحب الخروج من المنزل كثيرًا. أنا أفضِّل الجلوس في بيتي محاطًا بأسرتي، ولا أحرص كثيرًا على تلبية الدعوات وإن كنت أشكر الذين يدعونني.
جسور بلا ريبة
هذا يعني أنك تلقيت دعوات من سفارات أجنبية ولكنك لم تذهب..!
هذا طبيعي؛ أنا أتلقى دائمًا مثل هذه الدعوات التي لا أشك أنها من واجب السفارات المختلفة. وهذا ما تفعله السفارات السعودية في الخارج التي تقيم احتفالات بالمناسبات الوطنية السعودية وغيرها وتدعو إليها مواطني الدول التي تعمل فيها من أجل إقامة جسور للتعريف بالمملكة وتكثير الأصدقاء. هذه هي وظيفة السفارات. لكن إذا كان ما يأتي وراء الدعوات هو أن يستخدم الإنسان ضد ثقافته ووطنه فذلك هو العيب. أما تلبية الدعوات الثقافية والاجتماعية بحد ذاتها فليس فيها ما يريب، ورغم ذلك لم أذهب خلال السنوات العشر الماضية إلا مرات محدودة لسفارة اليمن!
ولماذا سفارة اليمن؟
لأن السفير مثقف ويحرص على التواصل مع المثقفين السعوديين. وأنا أجد في تلبية دعوته دعما للترابط الأخوي بين دولتين جارتين مهمتين من الدول العربية. بل إنك لا تشعر في تلك السفارة إلا أنك في بيت سعودي للتقارب الثقافي بين الشعبين.
مع هذا يصفك البعض بمحامي الليبراليين، تتحدى هذا الاتهام، ناعتا إياه ب"أسوء الاتهامات" و"الافتراء"، وطالبت بفتح تحقيق في المسألة..!
- لم يكلفني أحد بأن أحامي عنه، وينبغي أن يوجَّه السؤال لمن يطلق هذه الاتهامات بدلاً من توجيهه لي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.