عرف عن المصريين بأنهم من رجال التنظيم والتخطيط وعمقهم في فهم القانون وتطبيقاته وما حدث من تراخٍ في العقدين الأخيرين فمرد ذلك هو انسحاب بعض هؤلاء ممن أخذوا على عاتقهم التنظيم والتشريع من الساحة، وتبوؤ بعض من يرغبون في إشاعة الفوضى وتحقيق المنافع الشخصية، وازدياد تأثيرهم على الساحة، تجسد هذا الأمر في الفيلم الذي أنتج مؤخراً ويتم عرضه حالياً في دور السينما بعنوان: (الرجل الغامض بسلامته)، ودون الاسترسال في هذا الشأن فقد سرني ما لمسته عبر الصحف المصرية من الرغبة الجادة في إعادة النظر في تنظيم رحلات الحج والعمرة، كما سرني أيضاً انتقاد عدد من العلماء البذخ الذي يمارسه بعض حجاج السياحة وتأكيدهم أن الشرع نهى عن الحج المترف والدعوة إلى الزهد والتقشف وإنفاق الأموال على الفقراء والمساكين حيث سيكون الثواب أعظم أجراً وكذلك الأمر في تكرار الحج. يقابل هذا الأمر الدعوة الكريمة التي وجهها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية إلى بعض الموسرين ممن يرغبون في مساعدة الحجاج بأن يجدوا البدائل لتوزيع كميات الطعام في المشاعر التي تعج بها الطرق وينتج عنها كميات ضخمة من المخلفات وأن يسعوا إلى تمكين بعض الراغبين في الحج وتمويل حجهم وفق القنوات المنظمة لذلك، ويحدونا الأمل بأن لا يترك سموه هذا الأمر لاختيارهم بل يلزمهم في ذلك لما في هذا الأمر من نفع عميم وثواب وأجر من الله لفاعله. بعض الدول الإسلامية لا تسمح لأفرادها بالحج إلا مرة في العمر ولكن ما يحدث في مصر من السماح لتكرار الحج ممن ينتمون إلى فئة السياحة مرات عديدة يحتاج إلى تنظيم وما صرح به د. محمد عبدالغني شامة مستشار وزير الأوقاف في هذا الشأن جدير بالأخذ به لاسيما وأن سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم لم يؤد فريضة الحج سوى مرة واحدة وطالب شامة بسن قانون يمنع أي شخص سبق له أداء فريضة الحج أو العمرة من تكرارهما قبل مرور عشر سنوات على الأقل مضيفاً الشعائر الدينية هدفها تهذيب الإنسان وليس المباهاة. أما رئيس جبهة علماء الأزهر د. محمد عبدالمنعم البري فقد قال: إن مصر مقبلة على مجاعة وتحتاج إلى شيء من الرحمة والجوعى أولى بأموال الأغنياء من تكرارهم للشعيرة لاسيما وأن الحج كذلك قائم على المساواة وعدم التمييز بين غني أو فقير، أما صحيفة الدستور الصادرة بتاريخ 4/12/1431ه وعلى صفحتها الأولى فتروي عن فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية أن عدم التزام الحجاج بمواعيد العودة والتخلف في الأراضي المقدسة بعد انتهاء فترة الحج التي حددت في التأشيرات الصادرة من السلطات السعودية «من الممارسات الخاطئة والمخالفات»، وأكد فضيلته مخاطباً ضيوف الرحمن أنه لا يجوز شرعاً لأي حاج أن يضر بنفسه ولا أن يسعى إلى إيصال الضرر للآخرين، كما أنه لا تجوز مخالفة القواعد التي أقرتها السلطات السعودية، وإزاء ما تفضل به فضيلته مستشعراً دوره نحو إخوانه المسلمين وبصفته مفتياً فإننا نبارك خطوات المفتي وإسهامه الفعلي في وعي الأمة الذي يقود إلى التنظيم واحترام التشريعات ونسأله سبحانه أن يكثر من أمثاله، ويضاعف له الأجر. فاكس: 026980564/ [email protected]