جُبلت المجتمعات النامية -ولن أقول المتخلّفة- على توارث ثقافة الأحقاد والكراهية، وثقافة الازدراء، والانتقاص، ومطاردة الكبار والمبدعين وأصحاب الإنتاج والعطاء الفكري والثقافي في أي موئل؛ وتنطلق دوائر تلك الفئات الحاقدة من أساليب تربوية معقدة، خلقت في أنفسهم كره المبدعين والمتميّزين، ومحاولة النَّيل من نجاحاتهم، تارة بالتقييم الفاشل أو الأحكام المسبقة دون رادع من خلق أو ضمير، ولذلك واجه المبدعون تلك العقليات المريضة التي تربت على الحقد، وتلطخت ألسنتهم المسمومة بتصدير الغيبة، وكيل التهم، وتحويل الافتراءات والأكاذيب، بل وخلقها إلى صفات يحلمون أن تلتصق بأي مبدع، ظنًا منهم أن ذلك يشفي غليل كبودهم، ويداوي عللهم المزمنة؛ ولأنهم أصيبوا بداء في الأخلاق والقيم يعتقدون أن الآخرين سيصدقون شائعاتهم وخزعبلاتهم المنسوجة من خيالهم المتشبع بالأوهام والأمراض، ولعل أصحاب الطرح التنويري الثقافي لدينا لم يسلموا من أذية أولئك الجهلة، فالمبدع عبده خال يلاحق في أي رواية أو فكر يطرحه، ولم تسلم حليمة مظفر كذلك، ولا القصيبي -رحمه الله- أو الغذامي وغيرهم من ترهات المفلسين، وكلام الحاقدين، وتقييم المبتدئين؛ إذًا لا غرابة أن يتفرغ الحاقد المريض لملاحقة المبدعين في كل أثر وخبر، ولا عجب أن يرد المبدع والمفكر بالإنتاج والعمل..! رذاذ: ** الكبار هم الذين يرفضون الإهانة والتهميش والذل، والذي ينتقل بكرامته مجددًا العطاء في مكان آخر يملك من الحرية والشجاعة ما لا يملكه الفاشل، أو فاقد الشيء الذي يرضى بالخنوع وبالنفاق طريقًا لإثبات قدراته..! ** يقول أحد الأصدقاء إن كتاباتك تؤلم المرضى والحاقدين، فقلت له: يا صديقي: ربما لأنها لمست جروحهم المتعفنة، وعرّت واقعهم فشعروا بالرجفة منها، وأدخلوا أنفسهم في مغزى طرح (شمولي) يكتب للصالح العام؛ صحيح كاد المريب أن يقول خذوني..! ** عندما يكون المثقف حرًّا وأصيلاً، فإنه ينأى بنفسه عن البيئة الفاسدة، والغريب أن ثقافة مجتمعنا تمنع على المثقف الحر أن يعبر عن رأيه ويقول الحق في أي اتجاه، أو يرفض سرقة جهوده وأفكاره، وإذا كان منهجيًّا وصريحًا وواضحًا استمات المحنطون في تشويه سمعته، والنَّيل من شموخه..! ** من الممكن أن تقبل من أي شخص صفة ما، وتتكيف معها كما يطالب الشاعر بشار بن برد، لكن من غير المعقول أن تقول للحاقد الخسيس: إنك أستاذ ورجل!! [email protected]