في قرية الفريش التي تبعد عن المدينةالمنورة بمسافة 40كلم غربًا اتخذت اسمًا لها هذه القرية من الفرشة، نسبة إلى تلك الأرض الشاسعة التي تقع شمال القرية كنت طفلاً صغيرًا عمري ما بين الثلاثة والأربعة اعوام، وكان يدهشني مجموعة الرجال الذين يجتمعون بين مضاربنا على شكل قوس او دائري بين الحين والآخر والنار مشتعلة بينهم وعلى جنباتها عدد من الدلال وفناجين القهوة والذين ما ان يجتمعون حتى يأخذوا في التحدث فيما بينهم باصوات مرتفعة وكأنهم يحاولون الهجوم على بعضهم البعض ويتحركون من اماكنهم إلى الامام حتى تضيق الدائرة بهم ولا ينقطعون عن الكلام الا عندما يقوم احدهم برفع احدى هذه الدلال من على النار ويمسكها باحدى يديه واليد الاخرى بها الفنجانين حيث يبدأ بتقديم الفنجان إلى من هو باليمين منهم وهو يقول لهم اذكروا الله وصلوا على النبي وكانت اكثر ما تشدني من الكلمات التي كانوا يرددونها فيما بينهم في مجلسهم كلمة حدر وسند وندر، فحدر يعني نزل من الوادي وسند يعني طلع إلى الوادي وندر يعني جاء من المدينة اصوب نظري ببراءة في كل الاتجاهات وبالرغم من ذلك كانت تخطر على بالي عدد من الاسئلة التي كانت تحيرني عن تلك الجبال الشاقهة التي تحيط بنا من الاتجاهات كافة والاغرب من ذلك كنت اتساءل في نفسي بين الحين والآخر ماذا يوجد خلف هذه الجبال التي تحيط بنا ولكن لم اكن استعجل الاجابة لأني لا اعرفها وزادت حيرتي عندما ذهبنا إلى تأدية فريضة الحج مع بعض افراد العائلة ومجموعة من الناس وكنت في كل مرة اعتلي الشاحنة (اللوري) بين الركاب واقف من بين الركاب وانظر إلى تلك الجبال والاودية التي تظهر امامي وبعد أن وصلنا إلى مدينة بدر وخرجنا منها إلى مواصلة رحلتنا إلى الحج بدأت تختفي تلك الجبال تدريجيًا وانظر إلى الافق البعيد واذا بالسماء تكاد تلتقي مع الارض فاندهشت كثيرًا وتساءلت في نفسي هل عندما نصل إلى تلك النقطة التي تلتقي بها السماء مع الارض سوف نجد ابواب نخرج منها ام نجد هاوية فسيحة كل هذه الاسئلة كانت تدور في خاطري في ذلك الزمن مع صغر عمري ولم يكن لديّ من الاجابة ما يمكن أن اجيب على تلك الخواطر التي كانت تشغلني ومع مرور الايام والسنين ودخولي للمدرسة ودراستنا الجغرافيا والتاريخ وغيرها بدأت تنفتح امام اعيني اسرار هذا الكون الذي نحن على كوكبنا الارض ما نحن الا كويكب صغير من بين مليارات الكواكب التي تسبح في الفضاء الخارجي نعد كذلك بمجرتنا هذه ايضًا نقطة من مليارات المجرات كلها تسبح في الفضاء بتقدير من الخالق عز وجل وبدون أن تصطدم ببعضها البعض يتوالد الانسان على هذه الارض وكل مخلوقات الله الاخرى في البحر والبر اجيالًا بعد اجيال وتنقرض هذه المخلوقات بما فيها الانسان كفرد وتبقى كمجموعة إلى ما شاء الله.