بنبأ طاف بالصحاري.. فريعت واقشعرت لوقعه الكثبان أجهشت بعده الخيام.. وفاض الرمل دمعًا وأنت الوديان عصية هي الحروف.. منيعة هي الكلمات.. موءودة هي الجمل.. فماذا تقول وأي شيء تكتب، وألم الفقد لا زال يسلب لب الكلام.. غازي الباذخ الشامخ المحلق أبدًا.. غازي الذي لم يتوان عن الركض يومًا في ميادين الحياة محتفلًا بها وبجمالها.. مانحًا الأمل والبسمة والأحلام لمن حوله.. لأنه شاعر يحتفل بالحياة وتفاصيلها: لنا خلق الله دفء الربيع وصور بهجة أيامه لكي نترشف من عطره ونسبح في فيض أحلامه ولولا عيون تحب الجمال لما فاض سحر بأنغامه ولولا ابتساماتنا في المساء لضاق بوحشة إظلامه غازي يودع هذه الحياة الفانية.. ليتوقف الركض بعد معاناة ممتدة مع مرضه الأخير.. غازي.. البحر الذي لا ساحل له.. فمن أي جوانبه بدأت تحار حتى تصل.. غازي الإنسان الأنموذج.. غازي الوزير المشير والسفير السفير والإداري الخبير.. قائد التنوير والتغيير.. غازي الأديب الأريب والمثقف الشامل والمبدع المتكامل غرد لنا بالشعر فحبسنا أنفاسنا.. وقص لنا رواياته فشدهنا حتى أقصى حواسنا.. وسرد لنا سيره الشعرية والإدارية والحياتية فبتنا أسارى كاريزماه الخارقة.. عبّد إلى عقولنا دروبا أضاءها بنقده الساخر وقلمه الساحر.. وقبل ذلك غزا قلوبنا بالحب المجلل بالعطاء والصدق والنزاهة: هكذا قد خلقت.. أسكب للناس رحيقًا مذوبًا من دمائي وأغني في عرسهم.. وأواسيهم وأرثي للتائهين الظماء من ظلامي العميق أهديهم النور ولحني أصوغه من بكائي غازي بعد كل تلك المعارك الممتدة في ميادين الحياة يخوض نزاله الأخير مع الموت في (معركة بلا راية) فالراية قد سلمت الأمر للواحد الأحد.. لتعود إلى بارئها راضية مرضية بإذن الله. غازي.. في حياتك مواقف وعبر ودروس تستقى، فأنت نموذج مضئ لصناع الحياة.. قدرك أن تكون عولمي النشأة والتكوين، نهلت من الأحساء نقاء قلوب أهلها وشموخ نخيلها.. ومن البحرين هدوءها ولآلأها ونسائمها ومن القاهرة صخبها وضجيجها وسحرها وسخرية أهلها،ومن الولاياتالمتحدة عصريتها ومرونة فكرها ومن بريطانيا عمقها الحضاري وعراقة تقاليدها ثم صهرت كل ذلك في أريج الرياض بأناتها وحلمها وبعد نظرها.. لم تركن في حياتك الثرية إلى الدعة والكسل والهدوء، فكنت رجل الإنجاز والإعجاب عبر مسؤولياتك المتنوعة أستاذًا جامعيًّا ومديرًا للسكة الحديد ووزيرًا للصناعة والكهرباء ليتمازج تيارها بالإحساس الشاعري.. ولتنعم حتى القرى القصية بخدماتها.. خضت معركة براية بيضاء في وزارة الصحة ولم تغادر إلا وهي في عنفوان الصحة.. لتتوق بعد ذلك إلى (العودة إلى الأماكن القديمة) فقد رفعت الراية: قل للوشاة أتيت أرفع رايتي البيضاء فاسعوا في أديمي واضربوا هذي المعارك لست أحسن خوضها من ذا يحارب والغريم الثعلب ومن المناضل والسلاح دسيسة ومن المقاتل والعدو العقرب لتهدأ بعدها في جزائر اللؤلؤ متوجًا سفارتك بأعذب الأشعار وأروع الانتاج وبعد (استراحة خميس) لم تطل فوجئت كما فوجئنا بالصديق يعدو على الصديق لتبكي الألم الممض والصدمة الموجعة: عجبا كيف اتخذناك صديقًا وحسبناك أخًا برًّا رفيقًا ويومها انحزت كعادتك_ ياغازي_ لمبادئك بشجاعة الشعراء وحكمة الأدباء، فوقفت (في عين العاصفة) وقفة شرف مناضلًا عن وطنك مؤازرًا لقيادتك بسيف يراعك وترسانة مواهبك الفذة.. وتنتهي أزمة الخليج ومعاركك لا تهدأ وقناتك لا تلين لتسطر لنا (يونسكو) وخباياها وأنت تتقلد سفارة بلدك في بريطانيا متوجًا عطاءتك بإنجازات ومواقف متعددة.. لتعود بعد ذلك وزيرًا للمياه.. ولم تلبث أن كلفت بوزارة العمل التي أعياك فيها العمل فبدأنا نتحسس ألمك بعد أملك وتوجعك رغم تطلعك.. ومذ دلفت (حديقة الغروب) وأنا أشعر بك –على البعد- وأدعو لك بالسعد خمس وستون في أجفان إعصار أما سئمت ارتحالًا أيها الساري يا عالم الغيب ذنبي أنت تعرفه وأنت تعلم إعلاني وإسراري أحببت لقياك حسن الظن يشفع لي أيرتجى العفو إلا عند غفار؟! غازي.. تحتفظ لك ذاكرة جيل من الشعراء والأدباء بالتواضع الجم والأخذ بأيديهم رائدًا ومشجعًا وفاتحًا لكل الدروب.. فما من إهداء يصلكم حتى تبادرون بخطاب شكر وثناء لا يخلو من الإشارة لمضمون العمل المهدى إليكم وأحتفظ لكم في ذاكرة خاصة لحظة جمعتنا د.أروى خميس في أرجوحتها التي تناثرت أسرارها فقمت بمراجعة العمل وقمت أنت بتقريظه والتعليق عليه محتفيًا بمثل هذا النوع الجديد من الطرح لنجتمع على صفحة وفاء من مؤلفة العمل!! غازي.. أتعلم أجمل ما فيك!! بل سر هذه الهالة أو الكاريزما التي جعلتك أبدًا في الضوء مجللًا.. غازي الذي ألف الحضور مدللًا؟؟!إنه انحيازك الصادق لإنسانيتك!! لم تنس لحظة أنك إنسان يألم ويفرح ويصيب ويخطئ.. إنسان لا يسلم عقله إلا بدليل.. ولا يرخص فكره ولو جابه المستحيل.. فبقيت رغم اختلاف المشارب وتعدد التيارات لا تمثل إلا حالة الإنسان المفطور على إنسانيته المتشبث بآدميته رغم كل المنعطفات!! غازي... أبا سهيل.. أتراني استرسلت مع مشاعري وأنا أخاطبك وقد رحلت ؟؟! كلا يا سيدي فالرموز لا تموت.. قد ترحل ولكنها لا تموت.. الرموز قد ترحل ولكنها لا تغيب أبدًا.. الرموز قد تتوقف ولكن عطاءاتها وأثرها يبقى ممتدًا ممتدًا.. الرموز لا تحتاج إلى من يخلدها.. فقد خلدها عملها حتى دخلت مرحلة الأسطرة !! وإن كان من مقترح في هذا الصدد فهو لنا لا له.. لصالحنا وصالح أجيالنا بأن نعيد قراءة أطروحاته التنموية والفكرية والثقافية برؤية جديدة فلعلنا نخرج منها بالمفيد والجديد فهو رجل بأمة.. وهو عقل سابق مرحلته وفكر متجاوز زمنيته!! فنم هانئًا أبا سهيل فالوطن بأكمله يثمن عطاءاتك ويدعو لك إزاء ما قدمت.. لقد وقفت من أجل (التنمية وجهًا لوجه) دون خوف أو وجل.. حاربت بالي الأفكار، وقرأت مستقبل الأخطار، وكشفت مكامن الأسرار بعين باصرة ناقدة وفكر ثاقب. أخلصت جهدك لوطنك وقيادتك وبادلت محبيك الحب فتربعت في القلوب.. فنم هانئًا أبا سهيل، فأنت مقبل على رب رحيم كريم، وفي شهر مبارك فضيل.. فعليك من الله رحماته، ولنا ولأبنائك عظيم الأجر بإذن الله في مصابنا فيك، وعوضنا خيرًا أنه على كل شيء قدير!!!