لا يتوقف التاريخ عند من عرف النجاح، وإنما يقف طويلا عند من صنعه.. فالناجحون ليسوا فقط من حصدوا، ولكنهم من زرعوا وواصلوا النماء.. فهذا هو الدرس الأول من سنة الله في الكون، وهو أيضا الفصل الأول من قصة رجل لم يكتفِ بحصاد النجاح، بل أعاد صياغته وشارك في صناعته، ليصبح منظومة كاملة لا تخطئها عين الواقع، ولن يغفلها التاريخ. 65 عاما ليست كثيرة في دورة الزمن. وقد لا تتناسب مع حجم الإنجاز المذهل الذي حققته أسرة عبداللطيف جميل من خلال شركتهم العملاقة، منذ أن بدأ المؤسس الراحل مشوار التجارة في العام 1945م، والذي أكمله أبناؤه من بعده، مستوعبين درس النجاح وبنود معادلته الصعبة، وكل ما كتبه الوالد في صفحات الدأب والاجتهاد والعطاء، ليثبت هؤلاء الأبناء النجباء، أن التجارة لها وجه واحد للنجاح، أما العطاء فله ألف وجه. والحديث عن النجاح في شركة عبداللطيف جميل لا يعد مستغربا، فهو أيضا من المكونات الأساسية لتلك الأسرة العريقة، منذ أن أسست شركتها الشهيرة سنة 1945 على يدي الشيخ عبداللطيف جميل « رحمه الله « ، وهي حليفة للنجاح والتميز، حيث كان نشاطها الأساسي تجارة السيارات، والقروض الاستهلاكية والإلكترونيات.. وفي سنة 1955 حصلت على الوكالة الحصرية لسيارات تويوتا في السعودية، ووسعت أعمالها في ما بعد لتشمل عددا من الدول الأخرى أهمها مصر، سوريا، والمغرب والجزائر ،والسودان ومؤخرا تركيا، مما أهلها لتصبح أكبر موزع مستقل لسيارات تويوتا في العالم. ولا يختلف أحد حول ما حققته مجموعة عبداللطيف جميل من تميز ونجاح في عالم السيارات، فهي إلى جانب تويوتا تبيع واحدة من أفخر أنواع السيارات في العالم «لكزس» وهي وكيلها الحصري بالمملكة، غير أنها ومنذ أن استكملت تلك الريادة والاستقرار للمقومات الشاملة داخل سوق السيارات السعودي، ظهر الفكر المؤسسي في أبهى صوره، عندما خاضت الشركة مجالات وأنشطة غير مطروقة من قبل من جانب رأس المال الوطني، وهي المجالات التدريبية والتأهيلية، وتلك المجالات الأخرى ذات الطابع الإنساني والاجتماعي التي لا يستهدف الاستثمار فيها تحقيق أية عوائد مالية أو مادية بوصفها مجالات غير ربحية بالأساس، ولكنها محورية في تحقيق عمليتي التنمية والتقدم بأبعادهما الشاملة. وهنا بدت ملامح فكرة النموذج في أوضح وأجلّ صورها من العطاء، عبر ترسيخ مفهوم الدور الاجتماعي لرأس المال، والذي ما زال غريباً بعض الشيء عن الفعل الاقتصادي الداخلي، ومن هنا أتت فكرة مجموعة برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، وهي الفكرة التي لم تفارق حياة الأب المؤسس طوال حياته، وحملها أبناؤه من بعده ليطوروها ويبلوروها في العام 2003م، ويضعون لها بنيتها المؤسساتية المتينة والدقيقة والمتفردة، والباحثة عن وجه آخر للنجاح. خدمة المجتمع فقد شرعت الشركة منذ تأسيسها من القرن الماضي في الاضطلاع بأدوار متعددة في الفضاء المجتمعي السعودي، استهدفت تقديم منحاً تعليمية وتدريبية للارتقاء بعمليات تأهيل الشباب السعودي لمواجهة التحديات التي يفرضها عليه سوق العمل الوطني. وتدريجياً اتسعت تلك البرامج وتعددت لتشمل فئات أخرى في المجالين الإنساني والاجتماعي، وعلى الصعيدين المحلي والعالمي، حتى وصلت لأكثر من 30 برنامجاً تنفذها برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع حالياً، كما أطلقت برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع مبادرة جرامين جميل لدعم الإقراض متناهي الصغر في العالم العربي، مع مؤسسة جرامين، إضافة إلى تأسيس «باب رزق جميل» في العام 2007م، الهادف إلى توفير فرص عمل للشباب والشابات. برنامج «تنوير» وعندما أدركت برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع اقتصار دور الجمعيات الخيرية التي تؤوي الأيتام على مدِّهم بالخدمات الضرورية لمعيشتهم اليومية، وفقد الأيتام لفرصة الاطلاع على كل ما يدور حولهم من متغيرات خارج محيطهم الاجتماعي- بادرت البرامج بتأسيس «برنامج تنوير» بهدف مدِّ يد المساعدة لتلك الشريحة المجتمعية من الشباب والشابات، من خلال تنظيم برامج ترفيهية وتعليمية تساعدهم على توسيع آفاقهم، وتثري فهمهم للمجتمع والبيئة المحيطة بهم في كافة المجالات. وتأهلهم - فيما بعد- لاتخاذ القرارات المستقبلية لتحديد مسار حياتهم بعد انتهاء المرحلة الثانوية، سواء لمواصلة التعليم الجامعي، أو البحث عن فرصة عمل مناسبة في المجال المهني والحر، وتعتمد فكرة البرنامج على تنظيم رحلات ثقافية وترفيهية للمتفوقين من هؤلاء الأيتام للخارج - بالنسبة للأولاد - بهدف التعرف على نوعية وطبيعة الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية، بجانب رحلات داخلية للبنات للتعرف على معالم بلادهن السياحية والثقافية والاجتماعية. وتكون هذه الرحلات بمثابة حافزٍ لهم على مواصلة التفوق الدراسي، وإشعارهم بتكاتف ورعاية المجتمع لهم من خلال استثمار أوقات فراغ الأيتام فيما يعود عليهم بالنفع والفائدة، وإخراج اليتيم من طوق العزلة المفروض عليه، عبر برامج تستهدف تعريفه بالمظاهر الثقافية والحضارية خارج بيئته المحدودة سواء داخل المملكة أو خارجها. مفهوم جديد للخدمات وعبر التوجه الخيري الذي أسسه الأب الراحل سعت «برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع» للاستفادة من المفهوم الجديد للتنمية القائم على مبادرة القطاع الخاص من أجل التنمية كأساس لعملها داخل المجتمع السعودي، وأن تكون نموذجاً يحتذى به على مستوى المؤسسات التي لديها رغبة في العمل الأهلي، ولذا أخذت البرامج على عاتقها تنبي برامج متعددة بهدف إعداد الشباب السعودي لاحتياجات سوق العمل المتنامي داخل المملكة. وتبدو المهمة الرئيسة ل»برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع» في كونها نابعة من الإحساس الإنساني العميق تجاه المجتمع. وتسعى برامجها لتوفير فرص العمل من خلال عدد من البرامج منها التأهيل والتدريب - وفقاً لأسس علمية وتقنية متعارف عليها - إلى توفير فرص عمل حقيقية للشباب والشابات، ولذا سعت برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع للاستفادة من التطورات الكبيرة سواء التي طرأت على مناهج وآليات التدريب المهني والفني والإداري، أو تجاه المهارات المكتسبة من قبل الكوادر التدريبية القائمة على التدريب داخل وخارج المملكة. والهدف هنا ليس سد الاحتياجات الفنية والإدارية في سوق العمل الوطني فحسب، بل - أيضاً - تخريج شباب قادر على اقتحام سوق العمل بتأهيل ومستوى تدريبي عال وذي كفاءة، يستطيع قيادة عملية التنمية. وتغيير النظرة أو الصورة النمطية السائدة تجاه المهن والحرف اليدوية. ومن هنا حرصت برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع على المشاركة في تأسيس عدة معاهد تدريبية للجنسين، بالإضافة إلى ما يعرف ببرنامج المعاهد المشتركة مع القطاع الخاص، فهناك المعهد العالي الياباني للسيارات، والمعهد السعودي للخدمات الصحية، والمعهد السعودي للإلكترونيات، ومعهد عبداللطيف جميل للسمكرة والدهان، كما قامت بتأسيس معهد أكاديمية نفيسة شمس للفنون والحرف، ومعهد عبداللطيف جميل للسمكرة والدهان ومعهد باب رزق جميل للتأهيل والتدريب والذي قدم العديد من الدورات والبرامج التدريبية والتأهيلية للنساء والفتيات في شتى المهن والحرف والأعمال النسائية المختلفة. الفكر الخيري المتوارث وامتدادا للفكر الخيري للوالد الراحل حرص أبناء عبداللطيف جميل « رحمه الله « على تأسيس صرح طبي لتقديم الرعاية الصحية المتخصصة لفئة المرضى الذين يصابون بعاهات نتيجة الحوادث أو أمراض تمنعهم من ممارسة حياتهم بصورة كاملة أو جزئية، وتنفيذ برامج رعاية وإعادة تأهيل، وتوفير أكبر قدر ممكن من الاعتماد على النفس، وتمكين المريض من ممارسة حياة مستقلة قدر الإمكان، وتكييف المريض للعيش في محيط المنزل والأسرة بشكل آمن ومستقر وتحت إشراف المختصين عبر تقليص الاعتماد على الرعاية التمريضية المستمرة، وضمان الوقاية من المضاعفات المستقبلية. وفي عام 2004م قامت برامج عبداللطيف جميل - بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر في محافظة جدة - بتأسيس «برنامج عبد اللطيف جميل لتطوير جمعية الهلال الأحمر» بمحافظة جدة؛ بهدف تطوير ومساندة أعمال جمعية الهلال الأحمر للاضطلاع بدورها الإنساني العام والذي لا غنى عنه للمجتمع. المسؤولية الاجتماعية وإيمانا بمبدأ العمل الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية لرأس المال بوصفهما من أهم أسس العمل المدني والتحديث داخل المجتمعات المعاصرة، ومع هذا التعدد وتشعب البرامج والخدمات التي تقدمها الشركة داخل المجتمع، أنشأت المجموعة إدارة تتولى الإشراف على تنفيذ تلك البرامج، وتضع الاستراتيجيات الحاكمة لها، ومن هنا ظهرت «برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع»، والتي أسست عام 2003م، وتم توحيد برامج الشركة في إطار هيكلي موحد يحقق التنسيق والتكامل بين تلك البرامج. تأهيل ورعاية السجناء وخطت المجموعة خطوة جديدة تجاه بعض الفئات الأكثر حرماناً والمهمشة داخل المجتمع؛ بتبنيها تنظيم برنامج «اليوم العائلي للسجين» في إطار سياسة الشركة الداعية لدعم وتوسيع قاعدة المستفيدين من المشاريع والبرامج الاجتماعية؛ بهدف تلمس الجوانب التربوية والاجتماعية والتأهيلية في حياة السجين، وإعداده لكي يكون مواطناً صالحاً بعد انتهاء فترة الحبس، والحفاظ على الصلة بينه وبين أسرته قائمة. باب رزق جميل ومن خلال برامج خدمة المجتمع لمجموعة عبداللطيف جميل، وبالإضافة إلى البرامج الدولية، تم تأسيس باب رزق جميل لتوفير فرص عمل مناسبة لشباب وشابات الوطن، وتنمية المشاركة الاجتماعية في مكافحة البطالة والفقر وتفعيلها. وتشمل برامج باب رزق جميل لدعم المشاريع الصغيرة والذي يندرج تحته عدة فروع تضم برنامج الأسر المنتجة، وبرنامج المشاريع الصغيرة، وبرنامج تمليك سيارات الأجرة العامة والنقل، وبرنامج الامتياز التجاري، كذلك برنامج التدريب المنتهي بالتوظيف، الذي ساهم حتى نهاية عام 2009م من توفير 14ألف فرصة عمل للشاب والشابات، وأهلهم لسوق العمل، وبرنامج التوظيف المباشر الذي شارك في توظيف قرابة 19 ألف شاب. كما تمكن باب رزق جميل – من تقديم «أسواق تجارية لرواد الأعمال»- من توفير عشرات الآلاف من فرص العمل، حيث تمكن في عام 2009م توفير أكثر من 41,284 فرصة عمل للشباب والشابات في كافة مناطق المملكة، ومن المتوقع أن يصل هذا العام إلى رقم 46 ألف فرصة عمل ، ونظرا لكل هذا الجهد الملموس كرم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المهندس محمد جميل رئيس برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع خلال افتتاح مهرجان الجنادرية للعام 2008م، ومنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تقديراً لما قدمه من برامج لخدمة المجتمع، فيما يعد تكريم الرجل تأكيدا على اهتمام المليك بدعم العمل الاجتماعي ورجال الأعمال الأوفياء القائمين على خدمة المجتمع، ويعد دلالة واضحة من خادم الحرمين الشريفين على اهتمامه بالعمل الاجتماعي، وتكريم رعاته والقائمين عليه. معرض 1000 اختراع واختراع ومن أبرز أنشطة برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع الدولية، والتي تخدم الجانب الثقافي والتاريخي والتراث الإنساني، كان معرض «ألف اختراع واختراع»، والذي أقيم في متحف العلوم المتميز في لندن في شهر يناير الماضي، حيث حظي باهتمام كبير من أهم وسائل الإعلام وأوسعها انتشارًا في العالم، واجتذب أكثر من عشرة آلاف زائر في الأسبوع. ويعتبر هذا المعرض العملاق ثمرة جهود بذلها أكثر من خمسين باحثاً في عدد من الجامعات العالمية المرموقة، وذلك على مدار ما يزيد على عقد من الزمن، حيث استهدفت هذه الأبحاث كشف التراث العلمي الإسلامي للحضارة الإسلامية والتي امتدت إلى أكثر من ألف عام منذ القرن السابع حتى القرن السابع عشر للميلاد. وقد جاءت مبادرة معرض ألف اختراع واختراع ليتبنى كيف عمل الرجال والنساء في مختلف الأديان في عصور مضت جنباً إلى جنب لتأسيس قواعد علمية بنيت على منجزات وحضارات سابقة، للارتقاء بنوعية الحياة الإنسانية. ومن هنا جاءت مبادرة مشتركة بين مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة وبين برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع الدولية لإقامة معرض 1001 أختراع واختراع ، حيث تم إعداد هذا المعرض ليكون معرضاً متجولاً في عدد من دول العالم ليقوم بإيصال رسالة هامة وأساسية تساهم في إلهام الشباب والشابات بما قدمه العلماء المسلمون في ذلك الوقت، ليكون مصدر إيماء وإثراء لأفكارهم بحيث يمكنهم من تقديم أعمال مشابهة.