لم نسمع صوتا يرتفع منددا بمن قرر ما يخالف كلام الله وفطرته وسنته في خلقه، وأصدر كتابا كان الأكثر توزيعا وطبع على نفقة أهل الخير دون مناقشة محتواه ونقد آرائه، قرر فيه (أن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي) كي يدعم رأيه بتحريم الاختلاط لأنه يرى: (أن العفة حجاب يمزقه الاختلاط ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي) هكذا يفتري على الله سبحانه وتعالى الذي خلق آدم وحواء لعمارة الأرض بالمجتمع الزوجي، وعصر النبوة لم يكن مجتمعا فرديا، والحياة لا تكتمل إلا بالمجتمع الزوجي لحفظ النوع الإنساني ورعايته وحمايته حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك الرأي يخالف قوله تعالى في سورة النساء: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) كما أن الله خلق من كل شيء زوجين ليتفرد سبحانه بالوحدانية! لم نسمع صوتا يستنكر على من قال بهدم الحرم لمنع الاختلاط مع ما فيه من رأي متطرف ومتعالٍ على الخالق والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي لم يفصل النساء عن الرجال، ولم يضع حواجز يفصل بها النساء عن الرجال! للأسف إن من يستخدم وسائل الحرب النفسية بعض من يحسبون على التيار الديني، وهو يتناقض مع روح الدين وهدي الإسلام، لكن إعلاء القناعة الشخصية تفوقت على إعلاء الحق ولو كان الحق يدخل في باب التحريم والتحليل الذي هو حق إلهي خالص! هل هؤلاء هم أهل الدين والإيمان، إذا كانوا حماة الدين فلماذا لم يثوروا على من قرر أن المجتمع الإسلامي فردي لا زوجي؟! ولماذا لم يثوروا على من أفتى بهدم الحرم؟! ولماذا لم نسمع صوتا من هذه الأصوات ينتقد د/ محمد النجيمي على اختلاطه بالنساء وحضوره حفلاً ظهر فيه وسط حشد كبير من النساء والرجال من كل الأعمار لم يكن اختلاطا عارضا ولم يكن للضرورة إلا إذا كانت الضرورة هي استلامه لدرع التكريم من أ/ عائشة الرشيد وسيدة من آل الصباح؟!! الموقف الدفاعي ضد إباحة الاختلاط هل هو دفاع عن الدين أم عن قناعات دفعت أحدهم إلى حافة التطرف التقريري بأن المجتمع الإسلامي مجتمع فردي، وكأنه لا يعترف بكلام الله سبحانه وتعالى ويجرم عصر النبوة الذي لم يفصل بين النساء والرجال في الدعوة والجهاد والهجرة والبيعة والشورى؟! الدنيا تقوم ولا تقعد عندما يصحح عالم فاضل المفاهيم الخاطئة التي أنهكت المجتمع بالفصل التعسفي بين الرجال والنساء حتى في بيوت الله وفي الحرمين الشريفين، كل زائرات الحرمين يواجهن صعوبات كبيرة تصرفهن عن العبادة والصلاة في خشوع وسكينة من أجل منع الاختلاط! في الحرم النبوي تمشي النساء مسافات طويلة ليتسنى لهن الدخول من باب واحد فقط منعا للاختلاط بالرجال، وإذا هفت نفوسهن لزيارة الروضة الشريفة عليهن الانتظار ساعات حتى تفتح الزيارة وعليهن المشي مسافات طويلة بامتداد الحاجز القماش الذي يتيح الروضة الشريفة كاملة للرجال وجزء صغير منها للنساء يجعلهن في حالة صراع وقتال من أجل موضع قدم كل هذا من أجل منع الاختلاط! أما حكايات الهيئة في مكافحة ومنع الاختلاط، هي التي أحدثت هذه الفجوة والجفوة بين الهيئة وبين المجتمع، مما أدى إلى النفور حد الكراهية! لذلك أشعر بالسكينة كلما استمعت لعالم فاضل يقدم أسانيده الشرعية التي تصحح المفاهيم وأتمنى لو أن العلم توصل إلى طريقة الاستنساخ الفكري، واستنساخ الشخصية المتزنة السوية لمثل ذلك العالم، ولا أقصد الاستنساخ البيولوجي المشوه، أو النهج الصوفي في شكل العلاقة بين العالم والمريد. البحث العلمي يعني بناءً فكريًا موضوعيًا متجردًا من هوى النفس والقناعات الشخصية والأفكار المسبقة، بأن يتجرد المرء من معلوماته السابقة بما فيها قناعاته ومفاهيمه وكل ما يعرفه وكأنه يبدأ التفكير من نقطة الصفر لبناء الفكرة العلمية الموضوعية، أي الأفكار النظرية، فالقناعات والهوى هي التي دفعت إلى القول، باختلاط الضرورة واختلاط المجالسة، وفردية المجتمع المسلم، وهدم الحرم، ومهاجمة من يصحح المفاهيم لا نقد بحثه نقدا علميا منهجيا!!