شاهدت يوم الجمعة المنصرم إعادة برنامج (البينة) وكان عنوان الحلقة (جامعاتنا بين التوظيف والتثقيف)، وضيف الحلقة هو سعادة الاستاذ الدكتور اسامة الطيب مدير جامعة الملك عبدالعزيز. وقد استوقفتني عدة قضايا كانت محوراً للحديث، منها قضية القياس واختبار القدرات، والامتحانات التحصيلية وجعلها هي معيار القبول في الجامعات. وفي هذا الصدد أود أن أرد على هذه القضية من خلال تاريخنا التعليمي. فلا أحد يستطيع أن ينكر عراقة جامعة المؤسس عبدالعزيز ودورها التاريخي في ازدهار الحركة العلمية والنهضوية في شتى المجالات في المملكة، بتخريجها لكثير من الكوادر العلمية التي تقلدت مناصب عليا في الدولة فمنهم الوزراء والعلماء، ومدراء الجامعات، واعضاء هيئة التدريس، والأطباء، والمهندسون، والمعلمون، والأدباء والفنانون..، وهذا هو حال مخرجات معظم جامعاتنا العريقة في السابق، مثل جامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الملك سعود، والجامعة الإسلامية وجامعة البترول..الخ، هؤلاء جميعا لم يخضعوا لبرامج القياس واختبارات القدرات، أو اختبارات التحصيل العلمي اضافة الى إنهم نتاج التعليم العام القديم (بما فيهم ضيف الحلقة مدير الجامعة). والسؤال هنا، هل كان تعليمنا العام، وتعليمنا العالي ببرامجهما ومنهاهجهما السابقة أفضل حالاً مما هي عليه اليوم؟ بدليل تلك المخرجات التعليمية حاملة لواء النهضة اليوم؟ فإذا كان الجواب بنعم، فلماذا لا نعود إلى تلك البرامج وتلك المناهج؟ وإذا كان الجواب ب(لا) فما بالنا نشتكي من سوء مخرجات التعليم العام والتعليم العالي؟ والإشكالية الأخرى تتمثل في عدم اعتراف التعليم العالي بمخرجات التعليم العام، وهذا ما يفهم من كلام مدير الجامعة الموقر حين سئل عن سبب خضوع الطلبة الحاصلين على نسب عالية (95% وما فوق) لاختبار القدرات والتحصيل، فأجاب بأن الحاصلين على هذه النسبة العالية ليس بالضرورة ان يكونوا صالحين ومؤهلين للالتحاق بالجامعات، فإذا كان هؤلاء الممتازون الذين امضوا 12 عاماً على مقاعد الدراسة، وفارق جفونهم النوم من اجل المذاكرة والتحصيل -هم وأهليهم- غير مؤهلين للدراسة الجامعية فمن هو المؤهل؟ هل هو الطالب الذي يدخل إلى امتحان القدرات ولم يبذل فيه جهداً؟ ولعله من الطريف ان اذكر ان كثيراً من الطلبة يسمونه (اختبار شختك بختك)، أي أنهم يضعون الأجوبة بالفهلوة وضرب الحظ، والدليل على ذلك ان هناك من الطلبة الذين اجتازوا هذا الاختبار ودخلوا الجامعة، مازالوا يرسبون ويحصلون على معدلات متدنية، إذ كان من المفترض بعد هذه الغربلة التعليمية ان لا يحصل الطلاب الملتحقون بالجامعة على تقديرات تقل عن جيد جداً، فهم النخبة التي اختارها امتحان القياس، ولكن الذي يرويه الواقع ان بعضهم يخطئ حتى في كتابة اسمه. والدليل الاخر ان هناك طلبة أخرجتهم امتحانات القدرات من القائمة، ثم قبلوا في برامج الابتعاث الخارجي، وحصلوا على أعلى الدرجات وفي أفضل التخصصات. ولماذا نذهب بعيداً فمن هؤلاء الطلبة من التحق ببرامج الانتساب وكليات خدمة المجتمع.. إلى غيرها من البرامج الدراسية من برامج عمادة التعليم الموازي والمستمر (مدفوعة الرسوم)، وحصلوا على تقديرات عالية والتحقوا منتظمين بالجامعات، ما يثبت ويؤكد ان اختبارات القياس ليست هي المؤشر الحقيقي لصلاحية التحاق الطالب بالتعليم العالي.