وصف علماء ومفكرون المرحلة الحالية بأنه الأخطر في حياة الأمة الإسلامية ،وذلك بسبب تغلغل النعرات الطائفية في كل مكان من ربوع العالم الإسلامي،مؤكدين أن الطائفية أصبحت كالسوس الذي ينخر في جسد الأمة الإسلامية ويهدد حاضرها ومستقبلها،ويجب مواجهتا بحزمة من الآليات العلمية والدعوية التي تحمي المسلمين من نيرانها وترسخ لمبدأ الأخوة الإسلامية ،ورفع شعار وحدة الأمة كقيمة عليا لاترتقي إليها أي مسميات أخرى سواء كانت طافية أو عرقية أو إثنية معالجة الأخطاء التاريخية ويؤكد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن إثارة النزعات الطائفية بين مختلف الطوائف المنتسبة للإسلام كارثة حقيقية تهدد المسلمين في كل مكان، وأنه ينبغي أن نعالج أخطاءنا التاريخية بالوسائل المشروعة والحوار العلمي الهادئ المعتمد على الكتاب والسنة، ويجب تنزيه قضايا الأمة الكبرى عن المزايدات الطائفية أو السياسية أو المذهبية،ومن الضروري في هذه المرحلة الخطيرة تجنب الأمور التي تثير الشحناء والبغضاء بين المسلمين والتحديات التي تواجه الجميع ولا تفرق بين أحد وأحد. ويدعو الشيخ عاشور عقلاء الأمة ودعاتها وفقهاؤها إلى عدم الاستجابة لضغوط المتطرفين في الساحة العربية والإسلامية، والذين يهمهم إسقاط وإضعاف نهج الدعوة إلى الوحدة والتقارب، واستدراج المسلمين إلى خنادق الاصطفاف والمواجهة الطائفية التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة،فوحدة الأمة والحوار والتقارب بين فئاتها على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم، يجب أن يكون غاية نبيلة وهدفا مقدسا، وليس مجرد وسيلة لتحقيق مصالح محدودة، ويجب أن يصبح إستراتيجية دائمة لا مجرد خطوات مرحلية، معرباً عن رفضه لمظاهر التعبئة الطائفية التي تتمثل في بعض فتاوى التكفير، التشكيك والتجريح، وخطب التحريض وإثارة الضغائن. دور العلماء ويبدأ د. محمد الدسوقي أستاذ الدراسات العليا بكلية دار العلوم حديثه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية"، وفي رواية: "إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أمن العصبية أيحب الرجل قومه؟ فقال: لا، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم"،ويقول أن الصراع الطائفي المذهبي العنصري حرام وبالتالي تحرم الدعوة له أو الإسهام فيه، ومن ثم فدعاة العصبية والطائفية ليسوا من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولا يجوز لطائفة من المسلمين أن تسعى للقضاء على طائفة أخرى بالقتل أو التهجير لمجرد الخلاف المذهبي، لقوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً" ، والذي يشعل الفتنة بين المسلمين يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار مع المخالف ويؤكد د.الدسوقي أن دور العلماء أصبح مضاعفا في الوقت الحالي حيث يتعلق ببذل الجهد وملء الفراغ وعدم الانزواء لأن الفتنة تنمو في وجود الجهل والغفلة والعصبية وما شابه ،ودرء الفتنة بين المسلمين وتوحيد كلمتهم وتبصيرهم بملابسات ما يحيط بهم من تحديات وفتح أعينهم على مداخل ضعفهم ، والعمل على تمكينهم من الوعي الضروري لتدبير اختلافاتهم على الوجه الحسن والأحسن، هي أولوية لا يضاهيها أي اهتمام آخر، ويقول إن تداعيات الفتن الطائفية كثيرة منها انشغال المسلمين ببعضهم وانصرافهم عن قضاياهم المشتركة، ومنها شيوع التعصب وسوء الظن بين المسلمين، ومنها انتشار مشاعر الإحباط واليأس من قيام وحدة إسلامية تجتمع تحتها مختلف الطوائف، ومنها ما يحصل لدى غير المسلمين من فهم سلبي للإسلام وغير ذلك كثير،وإن الخلاف بين السنة والشيعة اليوم خلاف سياسي بغطاء طائفي بدليل أنهما تعايشا وتساكنا وتصاهرا في نفس الأقطار والمدن والأحياء منذ أربعة عشر قرنا،ولا بد للعلماء من أن يتغلغلوا وسط الأمة ليكتسبوا ثقتها ويوجهوا أفرادها نحو التعايش والمحبة والأخوة،وتوجيه طاقات المسلمين إلى التصدي للأخطار العالمية المحدقة بهم، وتكالب قوى الشر المتربِّصة بنا من كل ناحية، وتوجيههم إلى قضايا تخدم تثبيت أقدام المسلمين وكلمتهم في هذا العالم الذي أصبح قريةً صغيرةً فعلا، والمطلوب من المسلمين الآن أن يستجيبوا لتحدياتٍ فكرية وثقافيَّة تتوجه لأصل التديُّن، وتُبشِّر بقيمٍ جديدةٍ تعيد الإنسان إلى مراحل أشبه بما قبل البعثة الإلهيَّة للأنبياء فالآن التديُّن في خطر، والإيمان كإيمانٍ مستهدف، والقيم النبيلة للبشريَّة وهي من إرث الأنبياء والأديان السماويَّة أصبحت في قفص الاتهام، والأسرة يراد لها أن تتفكَّك، والعولمة تريد أن تبتلع العالم اقتصاديًّا، وتمسخ هويَّته ثقافيًّا، والمسلمون في ذلٍّ وتبعيَّةٍ في جميع أنحاء الأرض.