كل إنسان بحاجة إلى التقدير، ومن يمنح التقدير ويحرص عليه مع الآخرين سيبادلونه حتما هذا الشعور الإنساني النبيل، ففي هذا يتساوى الجميع ، ومن لا يعرف التقدير ولا يبادر بالشكر لا يستحقه منهم إلا إذا كان نفاقا ومداهنة أو اتقاء شر وكف أذى وهذا سلوك غير سوي. والتقدير أساسه الكلمة الطيبة فهي مفتاح الخير للمشاعر الإنسانية الإيجابية والكلمة الطيبة تأسر القلوب وتحفز العزيمة وتزيد المحبة ، وهذا ليس ضربا من الخيال ولا فلسفة ولا مثالية وإنما أساس الأخلاق والمعاملة ، وإنما نهج حثنا عليه ديننا الحنيف ويجب أن يحرص عليه كل إنسان ، لكن المشكلة دائما في مدى حرص الإنسان على هذه الفضيلة العظيمة. لننظر إلى المشكلات الأسرية التي تندلع شراراتها لغياب الكلمة الطيبة والتقدير المتبادل ، وكم من أجواء الإحباط في العمل عندما تسود روح الجفاء والتسلط فيضعف الأداء وروح المحبة والتفاني، وهكذا في الفصل المدرسي وكل مكان وكل مجال لا يعرف للتقدير قيمة في النفوس. هذا على وجه العموم ولكن للتقدير أيضا أنظمة ومناسبات ومقاصد طيبة تبني وتحفز وهي سنّة حميدة في مجتمعنا مثل المسابقات وجوائز التكريم للمتفوقين والمتميزين في العلم والعمل، وتكريم المتقاعدين.. وللتقدير والتكريم وسائل مختلفة منها المعنوي كشهادات وخطابات الشكر، ومنها العيني المعنوي مثل الدروع والهدايا الرمزية، وهناك التقدير المادي المتمثل في المكافآت المالية، أو كلاهما. لذلك اسأل هنا: أيهما تفضل أنت: هل التقدير المادي- أي الفلوس- أم المعنوي أم كلاهما؟ رب قائل: وهل هناك من يرفض التقدير المادي؟ أقول نعم، لأن البعض يكفيه التقدير المعنوي وشهادة أو درع تكريم ويرى أن ذلك أنسب له ، بل نجد من يتبرع بقيمة جائزته لغرض يحدده أو يترك ذلك لجهة التكريم من أجل منفعة عامة.. وهناك من يحتاج للتكريم المادي ويرى حاجته إليه أكثر ويتمنى لو كانت مكافأته مالية ينفعه مبلغها في حاضره أكثر من درع أو خطاب شكر وتقدير.. وهناك من يتمنى المادي والمعنوي معا، وكل هذه الحالات تحصل في الواقع. لكن كيف ننظر لقيمة التكريم بغض النظر عن نوعه؟ الإجابة على هذا السؤال المهم تعيدنا إلى الجذور التربوية التي تحدد فلسفة الإنسان وقناعاته الخاصة والعامة في ذلك، فمن يربي أبناءه على التقدير المعنوي وعبارات الشكر سيكبرون على ذلك فتسعدهم الكلمة الطيبة والثناء المعنوي ويجيدون التعبير عن الشكر ، أما من يعوّد أبناءه (بنين وبنات) فقط على المكافأة بالمال أو الهدية فسيكبرون على فلسفة مادية بأن كل شيء يقابله فلوس،فلا يعرفون قيمة الناس والحياة والعلاقات إلا بميزان المادة ، وكل شيء يمكن شراؤه بالفلوس ولو كانت قلوب البشر. هنا تكمن الإشكالية الخطيرة، فمثل هذا الأسلوب يجعل الإنسان يبحث عن المادة بأي طريقة إن كان في تكريم أو بأي سبيل آخر لأن المال أصبح غاية نشأ عليها. فالبعض مثلا يختار الزوجة على أساس المال وهي كذلك، وبعد الزواج لا يرى العلاقة الأسرية وقيمة زوجته إلا بالمال حتى لو أساء معاملتها باعتباره وفر لها المال، كذلك قد نجد زوجة يهمها المال أكثر من الثناء والتقدير المعنوي فتقول له «الكلام وحده ما ينفع والمهم الدراهم» والعكس من ذلك صحيح لمن تسعدها الكلمة الحلوة ، وهذا لايلغي تأثير الهدايا بينهما بين فترة وأخرى وفي المناسبات. لا شك أن من كسب القلوب بالمال وحده هو مخطئ فإذا ذهب المال وتغير الحال وانفض عنه من كان حوله ينطبق عليه قول الشاعر: إذا نقص مالي فلا خل يصاحبني وفي الزيادة كل الناس خلاني أخيرا التقدير المعنوي له قيمة كبيرة ويجب أن يكون ذلك أساس التربية وعلاقاتنا الاجتماعية والأسرية والإنسانية. صحيح أن المال يفيد شرائح تحتاجه وهو مهم لكن ليس هذا كل شيء ولا قيمته تبقى طوال الوقت فسرعان ما يذهب المال ولذلك يصبح التقدير المعنوي مهماً في حياة الإنسان ويأتي عليه وقت ومرحلة من العمر سيعني له درعٌ وشهادة تقدير الكثير والكثير في نفسه ولدى أولاده وأحفاده ومثل هذا التقدير يجدد في نفسه حيوية معنوية ، وهذا ما يجب أن يكون الأساس لثقافتنا التربوية والحياتية . وعموما الناس في ما يعشقون مذاهب حتى في التكريم.