نغمض عينًا، ونفتح فمًا، ونصفق كفًّا بكفٍّ من الحالة التي وصل إليها الحوار بين أطياف المشهد الفكري والثقافي داخل المجتمع السعودي، ممّا انعكس أثره على قطاع كبير من الشباب، أصبحت فيه لغة التخوين والتطرّف هما السائدتان في تجاذبات كل طرف ضد الآخر.. لكن الجديد في رأيي هو محاولة استجلاب السلطة واستعدائها على الطرف الآخر في سبيل تسويق أفكارنا بالقوة بعد أن عجزنا على التعامل مع الحوار كثقافة وكسلوك حضاري.. وكأننا نريد أن نقول للآخر الذي يقع معنا في نفس الدائرة بأننا وحدنا نمثّل أهل السلطة والمال والتنمية، وهي ممارسات نقترفها في حق بعضنا كمثقفين مختلفين في التفاصيل، وأقل ما يُقال عنها أنها عيب وعار فكري يربأ المثقف والمفكر الحقيقي أن يهبط إلى مستواه.. فنحن عندما لا نفسح المجال للأفكار أن تحلق نتيح المجال للأشخاص وللمجتمع برمته أن يتصادم وأن يشكك بعضه في بعض..!! الغريب والجميل والآخر أن كل المتحاورين يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك.. فالسلطة -والحمد لله- تقف من الجميع على مسافة واحدة، فهي تمثّل الجميع وتقود المركب إلى بر الأمان.. وأهل المال ينتمون في الأساس إلى مصالحهم وعندما يقدمون على مبادرات خيّرة لا يضعون المثقفين والمفكرين وغيرهم في مقدمة اعتبارهم، بل لا يستشيرونهم أصلاً.. وكذلك التنمية الجميع يشارك فيها من كل أطياف المجتمع من مختلف مناطق المملكة.. وعلى هذا الأساس فالاحتجاج بالسلطة والمال التنمية وهم باطل لا يستقر إلاّ في أذهان من مُلئت عقولهم بنظرية المؤامرة والشوفينية.. لأن الأصل في السلطة والمال والتنمية أن تكون محايدة وفق المبادئ التي توافق عليها المجتمع برمته. تذكرت كل هذا وأنا أشاهد حوارًا في قناة دليل الفضائية يجمع كل من الأستاذ جمال خاشقجي، والشيخ عوض القرني، وكان مجمله قائمًا على محاولة كل طرف استجلاب السلطة والمال والتنمية إلى صفه بالنظر إلى أنه هو من يمثلها في رأيه..!! ثم أقفلت القناة وفتحت الصحيفة لأقرأ خبرًا عن نادي الباحة الأدبي، وشكوى رئيس النادي في قسم الشرطة على الدكتور علي الرباعي بحجة أنه يدعو للسفور والتبرج وتسويق الأفكار الشيطانية!! في محاولة فجّة للتوسل بالسلطة استعدائها على من يخالفنا الرأي. إن نقل الأفكار من خانة الحوار والعقول إلى أقسام الشرط وأجهزة الأمن يضرب عرض الحائط بمبادئ شرف الخصومة وأخلاق الفرسان والنبلاء، بل هو عيب وعجز ثقافي يجب أن نستحيي منه جميعًا!! يجب أن نتفق كلنا على أننا مسلمون سعوديون دون لمز في ديننا أو غمز في وطنيتنا، ثم بعدها فلنختلف ما نشاء بعيدًا عن أقسام والشرط ومحاولة استعداء وإزعاج السلطات، وتجنيد رجال الأعمال، وتعطيل برامج التنمية.